للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولقد أعطانا وإياكم الذي تريدون، فأقبلوا على اسم اللات والعزى؛ لعلنا نزيله إلى ما نهواه. ففرحوا بذلك، ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة، فلما دخلوا على عبد الله بن أُبَيّ أنزلهم، وأكرمهم ورحَّب بهم، وقال: أنا عند الذي يسُرُّكم، محمد أُذُنٌ، ولو قد سمع كلامنا وكلامَكم لعله لا يعصينا فيما نأمره، فأبشروا واستعينوا بآلهتكم عليه، فإنّها نعم العون لنا ولكم. فلما رأوا ذلك منه قالوا: أرسل إلى إخواننا. فأرسل عبد الله بن أُبي إلى طعمة وسعد: أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا، فلما أتاهم الرسول جاءوا، فرحبوا بهم، ولزم بعضهم بعضًا مِن الفرح وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنْزِلوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عن دينه.

فقال عبد الله بن أُبَيّ: أمّا أنا فأقول له ما تسمعون، لا أعدو ذلك ولا أزيد، أقول: إنا -معشر الأنصار- لم نزل وإلهنا محمود بخير، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد، ونحن كل يوم منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير، ولكن لو شاء محمد قَبِل (١) أمرًا كان -يكون ما عاش- لنا وله ذِكْرٌ في الأولين الذين مضوا، ويذهب ذِكْرُه في الآخرين- على أن يقول: إنّ اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة، ولهما ذكر ومنفعة على طاعتهما. هذا قولي له ... قال أبو سفيان: نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل، فإنّ محمدًا -زعموا- أنّه لن يُبقِي بها أحدًا مِنّا مِن شِدَّة بغضه إيّانا، وإنّا نخشى أن يكون يُضمِر لنا في نفسه ما كان لقي أصحابُه يوم أحد. قال عبد الله بن أُبَيّ: إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر، هو أكرم من ذلك، وأوفى بالعهد مِنّا. فلما أصبحوا أتوه، فسلَّموا عليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مرحبًا بأبي سفيان، اللهم، اهدِ قلبه. فقال أبو سفيان: اللهم، يَسِّر الذي هو خير. فجلسوا، فتكلموا وعبد الله بن أُبَيّ، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ارفض ذكر اللات والعزة ومناة -حجر يُعبد بأرض هذيل-، وقل: إنّ لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما. فنظر إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وشَقَّ عليه قولهم، فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي -يا رسول الله- في قتلهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني قد أعطيتهم العهد والميثاق».

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو شعرت أنكم تأتون لهذا من الحديث لَما أعطيتهم الأمان». فقال أبو سفيان: ما بأس بهذا أنّ قومًا استأنسوا إليك، يا محمد، ورجوا منك أمرًا، فأما إذا قطعت رجاءهم فإنه لا ينبغي لك أن تؤذيَهم، وعليك باللِّين والتؤدة لإخوانك


(١) كذا أثبتها محقق المصدر ليستقيم المعنى، وذكر أنها ساقطة من إحدى النسخ المخطوطة، وفي نسختين أخريين: «ولب». ومن معاني «ولب» دخل، كما في القاموس وشرحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>