عكاظ، وانطلق حكيم بن حزام بن خويلد إلى عكاظ يتسوَّق بها، فأوصته عمتُه خديجة أن يبتاع لها غلامًا ظريفًا عربيًّا إن قدر عليه، فلما جاء وجد زيدًا يُباع فيها، فأعجبه ظرفه، فابتاعه، فقدم به عليها، وقال لها: إنِّي قد ابتعت لك غلامًا ظريفًا عربيًّا، فإن أعجبك فخذيه وإلا فدعيه، فإنه قد أعجبني. فلما رأته خديجة أعجبها، فأخذته، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عندها، فأعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - ظرفه، فاستوهبه منها، فقالت: أهبه لك، فإن أردت عتقه فالولاء لي. فأبى عليها، فوهبته له؛ إن شاء أعتق وإن شاء أمسك، قال: فشَبَّ عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم إنه خرج في إبل أبي طالب إلى الشام، فمَرَّ بأرض قومه، فعرفه عمُّه، فقام إليه، فقال: مَن أنت، يا غلام؟ قال: غلام من أهل مكة. قال: مِن أنفسهم. قال: لا. [قال]: فحُرٌّ أنت أم مملوك؟ قال: بل مملوك. قال: لِمَن؟ قال: لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال له: أعربيٌّ أنت أم عجمي؟ قال: بل عربي. قال: ممن أصلك؟ قال: من كلب. قال: من أي كلب؟ قال: من بني عبد ود. قال: ويحك، ابن من أنت؟ قال: ابن حارثة بن شَراحيل. قال: وأين أُصِبت؟ قال: في أخوالي. قال: ومَن أخوالك؟ قال: طيِّئ. قال: ما اسم أمك؟ قال: سُعدى. فالتزمه، وقال: ابن حارثة! ودعا أباه، وقال: يا حارثة، هذا ابنك. فأتاه حارثة، فلمّا نظر إليه عرفه، قال: كيف صنع مولاك إليك؟ قال: يُؤثِرُني على أهله وولده، ورُزِقتُ منه حُبًّا، فلا أصنع إلا ما شئتُ. فركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة، فلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له حارثة: يا محمد، أنتم أهل حرم الله وجيرانه وعند بيته، تَفُكُّون العاني، وتُطْعِمون الأسير، ابني عبدك، فامْنُن علينا، وأحسن إلينا في فدائه؛ فإنك ابن سيد قومه، فإنّا سنرفع لك في الفداء ما أحببتَ. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُعطيكم خيرًا مِن ذلك». قالوا: وما هو؟ قال:«أُخَيِّره، فإن اختاركم فخذوه بغير فداء، وإن اختارني فكفوا عنه». فقالوا: جزاك الله خيرًا، فقد أحسنت. فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:«يا زيدُ، أتعرف هؤلاء؟» قال: نعم، هذا أبي وعمي وأخي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فأنا مَن قد عرفتَه، فإن اخترتهم فاذهب معهم، وإن اخترتني فأنا مَن تعلم». فقال زيد: ما أنا بمختار عليك أحدًا أبدًا، أنت مِنِّي بمكان الوالد والعم. قال له أبوه وعمه: يا زيد، أتختار العبودية على الربوبية؟ قال: ما أنا بِمُفارِق هذا الرجل. فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِرصَه عليه قال:«اشهدوا أنه حُرٌّ، وإنّه ابني يرثني وأرثه». فطابت نفسُ أبيه وعمه لِما رأوا مِن كرامته عليه، فلم يزل في الجاهلية يُدعى: زيد بن