للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسول الله- أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إنّ الله لم يبعثني مُعَنِّتًا، ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا» (١). (١٢/ ١٩)

٦٢٠٦٨ - عن أبي سلمة الحضرمي، قال: جلستُ مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وهما يتحدثان، وقد ذهب بصرُ جابر، فجاء رجل فسلَّم، ثم جلس، فقال: يا أبا عبد الله، أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فِيمَ هجر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه؟ فقال جابر: تركَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا وليلة لم يخرج إلى الصلاة، فأخَذَنا ما تقدَّم وما تأخر، فاجتمعنا ببابه، فنتكلم ليسمع كلامنا ويعلم مكاننا، فأطلنا الوقوف، فلم يأذن لنا، ولم يخرج إلينا، فقلنا: قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانكم، ولو أراد أن يأذن لكم لأذن، فتفرَّقوا لا تؤذوه. فتفرّق الناس غيرَ عمر بن الخطاب يتنحنح ويتكلم ويستأذن، حتى أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال عمر: فدخلتُ عليه، وهو واضعٌ يدَه على خدِّه أعرف به الكآبة، فقلت: أيْ نبيَّ الله، بأبي وأمي، ما الذي رابك؟ وما لقي الناس بعدك مِن فقْدِهم لرؤيتك؟! فقال: «يا عمر، سألنني أولاء ما ليس عندي -يعني: نساءه-، فذاك الذي بلغ بي ما ترى». فقلت: يا نبي الله، قد صككتُ جميلة بنت ثابت صكّة ألصقت خدها منها بالأرض؛ لأنها سألتني ما ليس عندي، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك، وهو جاعِلٌ بعد العسر يسرًا. قال: فلم أزل أكلِّمه، حتى رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تحلّل عنه بعض ذلك، فخرجتُ فلقيتُ أبا بكر الصديق، فحدَّثته الحديث، فدخل أبو بكر على عائشة، فقال: قد علمتِ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَدَّخِرُ عنكُنَّ شيئًا، فلا تسأليه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إلَيَّ. وانطلق عمر إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك، ثم اتبعا أمهات المؤمنين، فجعلا يذكران لهنَّ مثل ذلك؛ فأنزل الله تعالى في ذلك: {يا أيُّها النبي قُلْ لِأَزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} يعني: متعة الطلاق، ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقًا جميلًا، {وإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنكُنَّ أجْرًا عَظِيمًا} فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدأ بعائشة، فقال: «إنّ الله قد أمرني أن أخيّركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأتُ بك، وأنا أخيّرك». قالت: وهل


(١) أخرجه مسلم ٢/ ١١٠٤ (١٤٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>