للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٢٣٩٨ - قال إسماعيل السُّدِّيّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يعني الله -تبارك وتعالى-: هو الذي يغفر لكم إذا أطعتموه. قال: {ومَلائِكَتُهُ} يعني: هو الذي يصلي عليكم؛ يغفر لكم، ويستغفر لكم الملائكة (١) [٥٢٤٣]. (ز)

٦٢٣٩٩ - قال مقاتل بن سليمان: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ} نزلت في الأنصار، هو الذي يغفر لكم ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم (٢) [٥٢٤٤]. (ز)


[٥٢٤٣] قال ابن كثير (١١/ ١٨٣): «أما الصلاة من الملائكة فبمعنى: الدعاء للناس، والاستغفار».
وبنحوه ابنُ جرير (١٩/ ١٢٣)، وابنُ عطية (٧/ ١٢٦).
[٥٢٤٤] المشهور في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} قولان: أولهما: أنّ معنى صلاة الله على عبده: ثناؤه عليه. والثاني: أنّ معنى صلاة الله على عبده: رحمته إياه.
وقد ذكرهما ابنُ كثير (١١/ ١٨٣)، فقال: «والصلاة من الله: ثناؤه على العبد عند الملائكة. حكاه البخاري عن أبي العالية، ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه. وقال غيره: الصلاة من الله: الرحمة. وقد يقال: لا منافاة بين القولين».
وجمع بينهما ابنُ عطية (٧/ ١٢٦)، فقال: «صلاة الله -تبارك وتعالى- على العبيد هي رحمته لهم، وبركته لديهم، ونشره إلينا الجميل».
وذَهَبَ ابنُ جرير (١٩/ ١٢٣) إلى القول الأول مستندًا إلى أقوال السلف.
ورجَّحَه ابنُ القيم (٢/ ٣٣٢ - ٣٣٥ بتصرف) بعد أن ذكر قولًا ثالثًا، مفاده: أنّ معنى صلاة الله على عبده: مغفرته له. وضَعَّفَ القولين الثاني، والثالث، فقال: «هما ضعيفان لوجوه: أحدها: أن الله سبحانه فرّق بين صلاته على عباده، ورحمته، فقال: {وبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧]، فعطف الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، هذا أصل العطف. الوجه الثاني: أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء، فليست الصلاة مرادفة للرحمة، لكن الرحمة من لوزام الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها ومقصودها، وهذا كثيرًا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن. الوجه الثالث: أنه لا خلاف في جواز الرحمة على المؤمنين، واختلف السلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء؛ فَعُلِم أنهما ليسا بمترادفين. الوجه الرابع: أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال:» اللهم ارحم محمدًا وآل محمد «، وليس الأمر كذلك. الوجه الخامس: أنه لا يقال لمن رحم غيره ورقَّ عليه أنه صلّى عليه، ويقال: إنه قد رحمه. الوجه السادس: أن الإنسان قد يرحم من يُبغضه ويُعاديه، فيجد في قلبه له رحمة، ولا يصلي عليه. الوجه السابع: أن الصلاة لا بد فيها من كلام، فهي ثناء من المصلي على من يصلي عليه، وتنويه به، وإشادة لمحاسنه ومافيه وذكره. الوجه الثامن: أن الله سبحانه فرّق بين صلاته وصلاة ملائكته، وجمعهما في فعل واحد، فقال: {إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النبي}، وهذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة، وإنما هي ثناؤه سبحانه، وثناء ملائكته عليه. ولا يقال: الصلاة لفظ مشترك، ويجوز أن يستعمل في معنييه معًا؛ لأن في ذلك محاذير متعددة: أحدها: أن الاشتراك خلاف الأصل. الثاني: أن الأكثرين لا يُجَوِّزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز. فإذا كان معنى الصلاة: هو الثناء على الرسول والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللفظة، لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركًا محمولًا على معنييه، بل يكون مستعملًا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ».

<<  <  ج: ص:  >  >>