ورجَّحَ ابنُ جرير (١٩/ ١٥٠) أنّ الآية عامة فيمن ذُكِر من أصناف النساء، وفي النساء اللواتي في عصمته -وهو عين القول الثاني- وانتَقَدَ القولَ الثالثَ مستندًا إلى السياق، فقال: «إنما قلت ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ} عقيب قوله: {إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ}، وغير جائز أن يقول: قد أحللت لك هؤلاء، ولا يحللن لك. إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الآيتين فعل الأخرى منهما، فإذ كان ذلك كذلك ولا دلالة ولا برهان على نسخ حكم إحدى الآيتين حكم الأخرى، ولا تقدم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها، وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة؛ لم يجز أن يقال: إحداهما ناسخة الأخرى. وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكن لقول من قال: معنى ذلك: لا يحل من بعد المسلمات يهودية ولا نصرانية ولا كافرة. معنى مفهوم؛ إذ كان قوله: {مِن بَعْدُ} إنما معناه: من بعد المسميات المتقدم ذكرهن في الآية قبل هذه الآية، ولم يكن في الآية المتقدم فيها ذكر المسميات بالتحليل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - -ذكرُ إباحة المسلمات كلهن، بل كان فيها ذكرُ أزواجه، وملك يمينه الذي يفيء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، -فتكون الكوافر مخصوصات بالتحريم-، صحّ ما قلنا في ذلك، دون قول مَن خالف قولنا فيه». ومالَ ابنُ كثير (١١/ ١٩٦) إلى اختيار ابن جرير، فقال: «هذا الذي قاله جيد، ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف، فإنّ كثيرًا منهم روي عنه هذا وهذا، ولا منافاة».