واختار ابنُ جرير (١٩/ ١٤٣) القولَ الثانيَ، وانتَقَدَ الأولَ مستندًا لدلالة العقل، وقال: «إنما قلنا ذلك أولى بالصواب لِما قد بَيَّنا قبلُ من أنّ قول الذي قال: معنى قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ}: لا يحل لك اليهودية أو النصرانية والكافرة. قول لا وجه له. فإذ كان ذلك كذلك، فكذلك قوله: {ولا أنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} كافرةً لا معنى له؛ إذ كان مِن المسلمات من قد حرّم عليه بقوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ} الذي دللنا عليه قبل». وانتَقَدَ أيضًا القولَ الثالثَ؛ للقراءة المجمع عليها، والواقع، فقال: «أما الذي قاله ابن زيد في ذلك أيضًا فقول لا معنى له؛ لأنه لو كان بمعنى المبادلة لكانت القراءة والتنزيل: ولا أن تُبادل بهن من أزواج، أو: ولا أن تُبدِّل بهن -بضم التاء-، ولكن القراءة المجمع عليها: {ولا أن تَبَدَّل بهن} بفتح التاء، بمعنى: ولا أن تستبدل بهن، مع أن الذي ذكر ابن زيد من فعل الجاهلية غير معروف في أمة نعلمه من الأمم: أن يبادل الرجل آخر بامرأته الحرة، فيقال: كان ذلك مِن فِعْلهم فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فِعْل مثله!». وكذا انتَقَدَه ابنُ عطية (٧/ ١٣٦)، فقال: «هذا قول ضعيف، أنكره الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب قط هذا، وما رُوِي من حديث عيينة بن حصن أنّه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عائشة فقال: مَن هذه الحميراء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذه عائشة». فقال عيينة: يا رسول الله، إن شئت نزلت لك عن سيدة العرب جمالًا ونسبًا. فليس بتبديل، ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية، فقال هذا القول». وذهب ابنُ كثير (١١/ ٢٠٠) إلى ما ذهب إليه ابنُ جرير.