ورجَّحَ ابنُ جرير (١٩/ ٢٠٤ - ٢٠٥) القولَ الأولَ -وهو قول الجمهور- استنادًا إلى عموم لفظ الآية، فقال: «أولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عنى بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين، وأمانات الناس، وذلك أن الله لم يخص بقوله: {عرضنا الأمانة} بعض معاني الأمانات لما وصفنا». وقال ابنُ كثير (١١/ ٢٥١): «كل هذه الأقوال لا تنافي بينها، بل متفقة، وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أثيب وإن تركها عوقب، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا مَن وفق الله». وذكر ابنُ عطية (٧/ ١٥٣) قولين آخرين: الأول: أن معنى الآية: إنا عرضنا الأمانة في نواهينا وأوامرنا على هذه المخلوقات فقمن بأمرنا، وأطعن فيما كلفناها، وتأبّين من حمل المذمة في معصيتنا، وحمل الإنسان المذمة فيما كلفناه من أوامرنا وشرعنا، ونسبه للزجاج، وعلَّق عليه بقوله: «و {الإنْسانُ} -على تأويله-: الكافر والعاصي». ثم قال (ط: دار العلمية ٤/ ٤١٢): «وتستقيم هذه الآية مع قوله تعالى: {أتَيْنا طائِعِينَ} [فصلت: ١١]، فعلى التأويل الذي حكيناه عن الجمهور [يعني: القول الأول] يكون قوله تعالى: {أتَيْنا طائِعِينَ} إجابة لأمر أمرت به، وتكون هذه الآية إباية وإشفاقًا من أمر عرض عليها وخيرت فيه». الثاني: أن الآية من المجاز، أي: أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبتها وأشفقت، فُعبّر عن هذا المعنى بالآية، وهذا كما تقول: عرضت الحمل على البعير فأباه. وأنت تريد بذلك قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه.