للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكبائر من أهل التوحيد، {ومِنهُمْ مُقْتَصِدٌ} عدل في قوله، {ومِنهُمْ سابِقٌ بِالخَيْراتِ} الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة وتصديق الأنبياء، {بِإذْنِ اللَّهِ} بأمر الله - عز وجل - (١) [٥٣٨١]. (ز)


[٥٣٨١] اختلف في معنى الكتاب الموروث، وفي المراد بالمصطَفَين من عباد الله، وفي المراد بالظالم لنفسه، على أقوال: الأول: أن الكتاب: ما أنزله الله من الكتب قبل الفرقان. والمصطَفَيْن من عباده: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. والظالم لنفسه: أهل الإجرام منهم. الثاني: أن الكتاب: هو شهادة أن لا إله إلا الله. والمصطَفَيْن: هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. والظالم لنفسه منهم: هو المنافق، وهو في النار؛ والمقتصد والسابق بالخيرات في الجنة.
ورجَّح ابنُ جرير (١٩/ ٣٧٣ - ٣٧٤) مستندًا إلى دلالة السياق واللغة والعقل والسنة القول الأول، وهو قول ابن مسعود من طريق شقيق، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وما في معناه، وعلَّل ذلك بقوله: «لأن الله -جلَّ ثناؤه- قال لنبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ مِنَ الكِتابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ}، ثم أتْبَع ذلك قوله: {ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا}، فكان معلومًا -إذ كان معنى الميراث إنما هو انتقال معنًى من قومٍ إلى آخرين، ولم تكن أمَّةٌ على عهد نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - انتقل إليهم كتابٌ من قومٍ كانوا قبلهم غير أمَّته- أن ذلك معناه. وإذ كان ذلك كذلك فبيِّنٌ أن المصطَفَيْن من عباده هم مؤمنو أمَّته؛ وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي -التي هي دون النفاق والشرك عندي- أشْبَهُ بمعنى الآية مِن أن يكون المنافق أو الكافر، وذلك أن الله -تعالى ذِكْره- أتْبَع هذه الآية قوله: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها}، فعَمَّ بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة». ثم قال (١٩/ ٣٧٥): «وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو الذي قلنا مِن ذلك أخبار، وإن كان في أسانيدها نظر، مع دليل الكتاب على صحته، على النحو الذي بيَّنتُ». وذكر حديث أبي الدرداء، وأبي سعيد الخدري.
ورجَّح ابنُ تيمية (٥/ ٣١١ - ٣١٢) وكذا ابنُ كثير (١١/ ٣٢٣)، وابن القيم (٢/ ٣٥٢ - ٣٥٤) استنادًا إلى دلالة ظاهر الآية، والسنة، والسياق، والعقل أنّ الظالم لنفسه من هذه الأمة، فقال ابنُ كثير: «والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طُرُق يشد بعضها بعضًا ... »، ثم أورد حديث أبي الدرداء، وأبي سعيد الخدري، وما في معناهما من الأحاديث والآثار، ثم علَّق بقوله: «فهذا ما تيسر من إيراد الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا المقام، وإذا تقرر هذا فإنّ الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة من هذه الأمة، فالعلماء أغبط الناس بهذه النعمة، وأولى الناس بهذه الرحمة».
وقال ابنُ القيم بعد أن ذكر الأحاديث والآثار الدالة على هذا المعنى: «فهذه الآثار يشد بعضُها بعضًا، وأنها قد تعددت طرقها واختلفت مخارجها، وسياق الآية يشهد لها بالصحة فلا تعدل عنها».
وذكر ابنُ تيمية أن القول الجامع «أن الظالم لنفسه: هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور. والمقتصد: القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بالخيرات: بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق». ثم ذكر أنواعًا تدخل تحت كلٍّ منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>