[٥٤٠٩] ذكر ابنُ عطية (٧/ ٢٣٩) في قوله: {إذ جاءها المرسلون} قولين: الأول: أنهم من الحواريين. كما في قول قتادة. الثاني: أنهم أنبياء مِن قِبَل الله. وعلّق على القول الثاني بقوله: «وهذا يرجحه قولُ الكَفَرة: {ما أنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا}؛ فإنها محاورة إنما تقال لِمَن ادعى الرسالة عن الله تعالى». ثم قال: «والآخر محتمل». ورجّح ابنُ تيمية (٥/ ٣١٨ - ٣٢٣) مستندًا إلى الدلالة التاريخية، وظاهر القرآن، والدلالة العقلية أنّ هؤلاء الرسل كانوا رُسُلًا لله قبل المسيح، وانتقد قولَ مَن جعلهم مِن الحواريين مِن وجوه عدة، ذكر منها: الأول: أنّ إرسال هؤلاء الرسل كان قبل المسيح، والمسيح ذهب إلى أنطاكية اثنان من أصحابه بعد رفعه إلى السماء، ولم يعززوا بثالث، ولا كان حبيب النجار موجودًا إذ ذلك. الثاني: ليس في القرآن آيةٌ تنطق بأنّ الحواريين رسل الله، بل ولا صرح في القرآن بأنه أرسلهم. الثالث: أن المعروف عند النصارى أن أهل أنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم، ولم يهلك الله أهل أنطاكية. الرابع: أنّ الرسل في القرآن ثلاثة، وجاءهم من أقصا المدينة رجل يسعى، والذين جاءوا مِن أتباع المسيح كانوا اثنين، ولم يأتهم رجل يسعى، لا حبيب ولا غيره. الخامس: أن الله تعالى قال: {قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا}، ولو كانوا رسل رسول لكان التكذيب لمن أرسلهم، ولم يكن في قولهم: إن أنتم إلا بشر مثلنا. شبهة، فإن أحدًا لا ينكر أن يكون رسلُ رسلِ الله بشرًا، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشرًا. السادس: أنه إذا كانت رسل محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يتناولهم اسم «رسل الله» في الكتاب الذي جاء به، فكيف يجوز أن يقال: إنّ هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره؟!. وانتقد ابنُ كثير (١١/ ٢٥٧) مستندًا إلى الدلالة العقلية، وظاهر الآية القول الأول، فقال: «ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله - عز وجل -، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون} إلى أن قالوا: {ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين} [يس: ١٤ - ١٧]. ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح، - عليه السلام -، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: {ما أنتم إلا بشر مثلنا}».