وقد رجّح ابنُ جرير (١٩/ ٤٤٦ - ٤٤٧) مستندًا إلى السياق، والدلالة العقلية القول الأول، فقال: «وأشبه القولين بتأويل ذلك قولُ مَن قال: عني بذلك: السفن، وذلك لدلالة قوله: {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم} [يس: ٤٣]، على أن ذلك كذلك، وذلك أنّ الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء، ولا غرق في البر». وذكر ابنُ عطية (٧/ ٢٥٠ - ٢٥١) في معنى: {حملنا ذريتهم} وفي معنى: {من مثله} احتمالين، فقال: «وأمّا معنى الآية فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس وجماعة، وهو أن يريد بالذريات المحمولين: أصحاب نوح في السفينة، ويريد بقوله: {مِن مِثْلِهِ}: السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإيّاها أراد الله تعالى بقوله: {وإنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ}، والتأويل الثاني قاله مجاهد والسُدِّيّ، وروي عن ابن عباس أيضًا، هو أن يريد بقوله: {أنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ}: السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة، ويريد بقوله: {وخَلَقْنا لَهُمْ مِن مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ}: الإبل وسائر ما يركب، فتكون المماثلة في أنه مركوب مُبَلِّغٌ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله: {وإن نشأ نغرقهم} على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة، وجعل {من مثله} في الإبل؛ فإن هذا نظرٌ فاسد يقطع به قوله تعالى: {وإن نشأ نغرقهم}. فتأمله».