مثل ما أخذت؟ فأين مالك؟ قال: لا تسألني عنه. قال: فما جاء بك؟ قال: جئتُ أعمل في أرضك هذه، تطعمني هذه الكسرة يومًا بيوم، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا. قال: لا ترى مِنِّي خيرًا حتى تخبرني ما صنعتَ في مالك. قال: أقرضتُه. قال: مَن؟ قال: المَليء الوفي. قال: مَن؟ قال: الله ربي. وهو مصافحه، فانتزع يده، ثم قال:{أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ * أإذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أإنّا لَمَدِينُونَ}؟! وتركه، فلما رآه المؤمن لا يلوي عليه رجع وتركه، يعيش المؤمن في شدة مِن الزمان، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان. فإذا كان يوم القيامة، وأدخل الله المؤمن الجنة؛ يمر، فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار، فيقول: لِمَن هذا؟ فيقال: هذا لك. فيقول: أوَبلغ مِن فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟! ثم يمر فإذا هو برقيق لا تحصى عِدَّتهم، فيقول: لِمَن هذا؟ فيقال: هؤلاء لك. فيقول: أوَبلغ مِن فضل عملي أن أُثاب بمثل هذا؟! ثم يمر فإذا هو بقُبَّةٍ مِن ياقوتة حمراء مجوفة، فيها حوراء عيناء، فيقول: لِمَن هذه؟ فيقال: هذه لك. فيقول: أوَبلغ مِن فضل عملي أن أُثاب بمثل هذا؟! ثم يذكر شريكه الكافر، فيقول:{إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أإنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ}. قال: فالجنة عالية، والنار هاوية، فيريه الله شريكه في وسط الجحيم مِن بين أهل النار، فإذا رآه عرفه المؤمن، فيقول:{تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * ولَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ * أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إلّا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إنَّ هَذا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ} بمثل ما قد مُنَّ عليه. قال: فيتذكر المؤمن ما مرَّ عليه في الدنيا مِن الشدة، فلا يذكر أشدَّ عليه مِن الموت (١). (١٢/ ٤٠٩)
٦٥٤٠٥ - عن عطاء الخراساني -من طريق معمر- قال: كان رجلان شريكين، وكان لهما ثمانية آلاف دينار، فاقتسماها، فَعَمَدَ أحدُهما فأشترى بألف دينار أرضًا، فقال صاحبُه: اللهم، إنّ فلانًا اشترى بألف دينار أرضًا، وإنِّي أشتري منك بألف دينار أرضًا في الجنة. فتصدق بألف دينار، ثم ابتنى صاحبه دارًا بألف دينار، فقال هذا: اللهم، إن فلانًا ابتنى دارًا بألف دينار، وإنِّي أشتري منك دارًا في الجنة بألف دينار. فتصدّق بألف دينار، ثم تزوج صاحبُه امرأة، فأنفق عليها ألف دينار، فقال: اللهم، إنّ فلانا تزوج امرأة، فأنفق عليها ألف دينار، وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار. فتصدَّق بألف دينار، ثم اشترى خدمًا ومتاعًا بألف دينار، فقال: اللهم، إنّ فلانًا اشترى خدمًا ومتاعًا بألف دينار، وإني أشتري منك خدمًا ومتاعًا في الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم أصابته حاجة شديدة، فقال: لو أتيتُ صاحبي
(١) أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٧/ ١٤ - ١٦ - .