للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نلقيك. فقال لهم يونس: اقتَرِعوا؛ فمن قُرِعَ فليقعْ. فاقترعوا، فقرعهم يونس ثلاث مرات، فوقع وقد وُكِّل به الحوت، فلما وقع ابتلعه، فأهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس تسبيح الحصى، {فَنادى فِي الظُّلُماتِ أنْ لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧]. قال: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل. قال: {فَنَبَذْناهُ بِالعَراءِ وهُوَ سَقِيمٌ} كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، وأنبت اللهُ عليه شجرةً مِن يقطين، فكان يستظِلُّ بها، ويصيب منها، فيبست، فبكى عليها حين يبست، فأوحى الله إليه: أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردتَ أن تهلكهم؟! فخرج، فإذا هو بغلامٍ يرعى غنمًا، فقال: ممن أنت، يا غلام؟ قال: مِن قوم يونس. قال: فإذا رجعتَ إليهم فأقرئهم السلام، وأخبرهم إنَك لقيتَ يونس. فقال له الغلام: إن تكن يونس فقد تعلم أنه مَن كَذب ولم يكن له بينة قُتل، فمَن يشهد لي؟ قال: تشهد لك هذه الشجرة، وهذه البقعة. فقال الغلام ليونس: مُرْهما. فقال لهما يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له. قالتا: نعم. فرجع الغلام إلى قومه، وكان له إخوة، فكان في مَنَعَة، فأتى الملك، فقال: إنِّي لقيتُ يونس، وهو يقرأ عليكم السلام. فأمر به الملك أن يُقتَل، فقال: إنّ له بينة. فأرسل معه، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة، فقال لهما الغلام: نَشَدْتُكما بالله، هل أشهدكما يونس؟ قالتا: نعم. فرجع القومُ مذعورين يقولون: تشهد لك الشجرةُ والأرضُ! فأتوا الملك، فحدَّثوه بما رأوا، فتناول الملك يد الغلام، فأجلسه في مجلسه، وقال: أنت أحقُّ بهذا المكان مني. وأقام لهم أمرَهم ذلك الغلامُ أربعين سنة (١). (١٢/ ٤٦٦)

٦٥٩٢١ - عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: لَمّا بعث اللهُ يونسَ إلى أهل قريته، فردوا عليه ما جاءهم به فامتنعوا منه، فلمّا فعلوا ذلك أوحى اللهُ إليه: إنِّي مُرسِلٌ عليهم العذابَ في يوم كذا وكذا؛ فاخرُجْ مِن بين أظهرهم. فأعلم قومَه الذي وعد الله مِن عذابه إياهم، فقالوا: ارمقوه؛ فإن هو خرج مِن بين أظهركم فهو -واللهِ- كائِنٌ ما وعدكم. فلمّا كانت الليلة التي وعدوا العذاب في صبيحتها أدلج، فرآه القومُ، فحذروا، فخرجوا مِن القرية إلى بَرازٍ (٢) من أرضهم،


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات ٤/ ٤٧١ (١٧١)، وفي كتاب الفرج بعد الشدة ٢/ ١٠٦ (٣٧) مختصرًا، وابن أبي شيبة في المصنف ١١/ ٥٤١ - ٥٤٣، وابن جرير ١٢/ ٢٩٦. وعزاه السيوطي إلى أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) البَراز: الفضاء الواسع. النهاية (برز).

<<  <  ج: ص:  >  >>