يُلقوه، ثم أعادوا السهم، فخرج عليه، فألقوا السهم الثالثة، فوقع السهم عليه، فلما خرج عليه الثالثة ألقَوْه، فالتقمه الحوت، والتقم الحوتَ حوتٌ آخر، فذلك قوله -جلَّ ذِكْرُه-: {فَنادى فِي الظُّلُماتِ} ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فلما انتهى الحوت إلى قرار الماء سمع الحصا يُسبِّح، فقال يونس: وها هنا يُعبد الله! {سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}[الأنبياء: ٨٧](١). (ز)
٦٥٩٣٠ - قال يحيى بن سلّام: بلغنا -والله أعلم-: أنّ يونس دعا قومه زمانًا إلى الله، فلمّا طال ذلك وأبَوْا أوحى اللهُ إليه: أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا. فلمّا دنا الوقتُ تنحّى عنهم، فلمّا كان قبل الوقت بيومٍ جاء، فجعل يطوف بالمدينة، وهو يبكي، ويقول: غدًا يأتيكم العذاب. فسمعه رجل منهم، فانطلق إلى الملِك، فأخبره أنه سمع يونس يبكي، ويقول: غدًا يأتيكم العذاب. فلما سمع ذلك الملك دعا قومَه، فأخبرهم بذلك، وقال: إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم العذابُ غدًا، فاجتمِعوا حتى ننظر في أمرنا. فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة مِن الغد، فنظروا، فإذا بظلمة وريح شديدة وقد أقبلت نحوهم، فعلموا أنّه الحق، ففرَّقوا بين الصبيان وبين أمهاتهم، وبين البهائم وبين أمهاتها، ولبسوا الشعر، وجعلوا التراب والرماد على رُءوسهم، تواضعًا لله وتضرعوا إليه، وبكوا، وآمنوا، فصرف اللهُ عنهم العذاب، واشترط بعضُهم على بعض ألّا يكذِب أحدٌ كِذبة إلا قطعوا لسانه، وجاء يونس مِن الغد، فنظر فإذا المدينةُ على حالها، وإذا الناسُ داخلون وخارجون، فقال: أمرني ربِّي أن أُخْبِر قومي: أن العذاب يأتيهم، فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟! فانطلق حتى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا بسفينة في البحر، فأشار إليهم، فأتوه، فحملوه ولا يعرفونه، فانطلق إلى ناحية من السفينة، فتقنَّع، ورقد، فما مضوا إلا قليلًا حتى جاءتهم ريحٌ كادت السفينة تغرق، فاجتمع أهلُ السفينة، ودعوا الله، ثم قالوا: أيقِظوا الرجلَ يدعو الله معنا. ففعلوا، فرفع الله عنهم تلك الريح، ثم انطلق إلى مكانه فرقد، فجاءت ريح كادت السفينة تغرق، فأيقظوه، ودعوا الله، فارتفعت، فتفكَّر العبدُ الصالح، فقال: هذا مِن خطيئتي. أو قال: من ذنبي. أو كما قال. فقال لأهل السفينة: شدّوني وثاقًا، وألقوني في البحر. فقالوا: ما كُنّا لِنفعلَ وحالُك حالُك، ولكن نقترع؛ فمن أصابته القرعة ألقيناه في البحر. وقال بعضهم: لما ركدت السفينة فلم تسر لفَّ نفسه في كسائه، وأراد أن يطرح نفسه في البحر، فقالوا: لا، ولكنا نقترع، فمن أصابته