للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه، فكاد أن ينساه، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة، فأراد أن يأخذها، فطارت على كُوَّة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت، فاطلع مِن الكوَّة، فرأى امرأة تغتسل، فنزل من المحراب، فأرسل إليها، فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أنّ زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يُؤَمِّره على السرايا؛ ليهلك زوجها، ففعل، فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نُصروا، وإنّ الله - عز وجل - لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسور عليه الخصمان مِن قِبل وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت، وقال: لقد استُضعفتُ في مُلكي، حتى إنّ الناس يتسوّرون عَلَيَّ محرابي! فقالا له: {لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ}، ولم يكن لنا بُدّ من أن نأتيك، فاسمع منا. فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى، ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها، يريد أن يتمّم بها مائة، ويتركني ليس لي شيء، {وعَزَّنِي فِي الخِطابِ}. قال: إن دعوتُ ودعا كان أكثر مني، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني. فذلك قوله: {وعَزَّنِي فِي الخِطابِ}. قال له داود: أنت كنتَ أحوج إلى نعجتك منه، {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ} إلى قوله: {وقَلِيلٌ ما هُمْ}، ونسي نفسَه - صلى الله عليه وسلم -، فنظر الملَكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسّم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود، فظن أنما فُتن، {فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأَنابَ} أربعين ليلة، حتى نبتت الخضرة مِن دموع عينيه، ثم شدَّد الله مُلكَه (١). (١٢/ ٥٢٨)

٦٦٥١٣ - عن الحسن البصري -من طريق مطر-: أنّ داود جزَّأ الدهر أربعة أجزاء؛ يومًا لنسائه، ويومًا للعبادة، ويومًا للقضاء بين بني إسرائيل، ويومًا لبني إسرائيل يُذاكِرهم ويذاكرونه، ويبكيهم ويُبكونه. فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا، فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا؟ فأضمر داود في نفسه أنّه سيطيق ذلك، فلما كان في يوم عبادته غلَّق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكبَّ على التوراة، فبينما هو يقرؤها إذ حمامة مِن ذهب فيها مِن كل لون حسن قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، فطارت، فوقعت غير بعيد مِن غير أن تؤيِّسه مِن نفسها، فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل، فأعجبه حُسنها وخَلْقها، فلما رأت ظِلَّه في الأرض جلَّلت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضًا بها إعجابًا، وكان قد بعث


(١) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٦٤ - ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>