للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعنى المفسر به من جهة اللغة، لأن النظر في هذا إلى ترجيح أحد المحتملات من جهة التفسير (١)؛ فإذا قام مفسر بالترجيح بين أقوال السلف المعتمدة على اللغة، ورجح أحد المعاني على غيره، فإن ترجيحه لا يعني رد المعنى الأول من جهة اللغة، وإنما يعني رده من جهة التفسير فقط، فلو رجح مفسر أن النجم ما نجم من نبات الأرض، فلا يعني هذا أن يرد معنى أن النجم نجم السماء عند العرب، وكذا العكس.

وإنما يحكم برده للمعنى اللغوي إذا نص على ذلك، ومثال ذلك ما وقع من الطبري (ت: ٣١٠ هـ) في تفسير قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: ٢٦]، فقد أورد ثلاثة أقوال عن السلف:

الأول: ممزوج مخلوط، خِلْطُهُ مِسْكٌ.

الثاني: آخر شربهم مسك.

الثالث: طينته مسك؛ أي: غطاؤه الذي يغطى به.

ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: آخره وعاقبته مسك؛ أي: هي طيبة الريح، إن ريحها في آخر شربهم يختم لها بريح المسك.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة؛ لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إِلا الطبع والفراغ، كقولهم: ختم فلان القرآن: إذا أتى على آخره، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة، يفهم إذا كان شرابهم جاريًا، جري الماء في الأنهار، ولم يكن مُعَتَّقًا في الدِّنَانِ، فيطين عليها وتختم، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر، وهو العاقبة والمشروب آخرًا، وهو الذي ختم به الشراب. وأما الختم بمعنى: الْمَزْجِ، فلا نعلمه مسموعًا من كلام العرب" (٢).

فالطبري -في هذا المثال- رد معنى لغويًّا واردًا عن ابن مسعود (ت: ٣٢ هـ)، ورده هذا -مع إمامته- غير مقبول، لأن قول ابن مسعود حجة لغوية.

وقد يكون تفسير السلف غير مطابق للمعنى اللغوي، فيحتاج الناظر في كلامهم إلى أن يضم إليه ما تقتضيه لغة العرب وأسرارها؛ وذلك بالنظر في أمور:


(١) ينظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم، للدكتور مساعد الطيار ص ٦١١.
(٢) تفسير الطبري ٢٤/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>