للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَأَلْفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأُنس». فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفَسَهم (١)، وأعجبهم حين شَبَّ، فلمّا أدرك زَوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تَرِكَتَه، فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة. وشكت إليه، قال: إذا جاء زوجُك فاقرئي - عليه السلام -، وقولي له: يُغَيِّر عَتَبَة بابه. فلما جاء إسماعيل؛ كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جَهْد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عَتَبة بابك. قال: ذاك أبي، وأمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك. فطَلَّقها، وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ فقالت: الماء. فقال: اللهم، بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم حَبٌّ لَدَعا لهم فيه». قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زُوجُك فاقرئي - عليه السلام -، ومُرِيه يُثَبِّت عَتَبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة -وأثنت عليه-، فسألني عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا بخير. قال: أما أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تُثَبِّت عتبة بابِك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، وأمرني أن أُمْسِكَك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيلُ يَبْري نَبْلًا تحت دَوْحَةٍ قَرِيبًا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد، والوالد بالولد، ثم قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك. قال: وتُعِينُنِي؟ قال: وأُعِينُك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتًا، وأشار إلى أكَمَة (٢) مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفع القواعد من


(١) أي: صار مرغوبًا فيه. النهاية ٥/ ٩٥.
(٢) الأكم: أشراف الأرض كالروابي، وقيل: ما اجتمع من الحجارة بمكان واحد. اللسان (أكم).

<<  <  ج: ص:  >  >>