للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالعرش، ترجرجه الأرواح، وهي التي يقول الله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} [النازعات: ٨] فيَمِيدُ (١) الناس على ظهرها، وتَذْهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هارِبةً مِن الفزع، حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها فترجع، ويتولي الناس مُدبرين، ينادي بعضُهم بعضًا، وهو قوله: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِن عاصِمٍ} [غافر: ٣٣]، [وقوله: {يَوْمَ التَّنادِ} [غافر: ٣٢] يوم يُنادي بعضُهم بعضًا، فبينما هم على ذلك إذ تصدّعت الأرض، كل صِدعٍ مِن قُطر إلى قُطر، فرأوا أمرًا عظيمًا لم يروا مثله، وأخذهم لذلك مِن الكَرْب والهول ما الله به عليم، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمُهل، ثم انشقت وانتثرت نجومها، وخسفَ شمسها وقمرها». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والأمواتُ لا يعلمون شيئًا مِن ذلك». فقلتُ: يا رسول الله، فمَن استثنى الله حين يقول: {فَصَعِقَ مَن فِي السَّماواتِ ومَن فِي الأَرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ}؟ قال: «أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند ربهم يُرزقون، ووقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو الذي يقول الله: {يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: ١ - ٢] فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض {إلّا مَن شاءَ اللَّهُ}، فإذا هم خمود، ثم يجيء مَلك الموت إلى الجبّار فيقول: يا رب، قد مات أهلُ السماوات وأهل الأرض إلا من شئت. فيقول -وهو أعلم-: فمَن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيتَ أنت الحيُّ الذي لا يموت، وبقي حَمَلةُ عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل، وبقيتُ أنا. فيقول الله: ليمتْ جبريل وميكائيل وإسرافيل. ويُنطِق اللهُ العرشَ، فيقول: يا ربّ، تميت جبريل وميكائيل وإسرافيل؟! فيقول الله له: اسكت، إني كتبتُ الموت على مَن كان تحت عرشي. فيموتون، ثم يأتي مَلك الموت إلى الجبّار، فيقول: يا رب، قد مات جبريل وميكائيل وإسرافيل. فيقول الله - عز وجل -وهو أعلم-: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيتَ أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقيتُ أنا. فيقول الله له: ليمُت حملة عرشي. فيموتون، ويأمر الله العرش، فيقبض الصُّورَ، ثم يأتي ملك الموت الرّب فيقول: يا ربّ، قد مات حملة عرشك. فيقول الله -وهو أعلم-: فمن بقي؟ فيقول: يا ربّ، بقيتَ أنت الحي الذي لا يموت، وبقيتُ أنا. فيقول الله له: أنت خلْق من


(١) مادَ يَميد: مال وتحَرَّك. النهاية (ميد).

<<  <  ج: ص:  >  >>