فالشوكاني (ت: ١٢٥٠ هـ) يشير إلى وقوع تفسيرات لا تطابق المعنى اللغوي، فقد يكون معنى اللفظ في لغة العرب أوسع كما ذكر.
وِمن أمثلة ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء: ١٠٠]: قال القرطبي: "اختلف في تأويل الْمُرَاغَم، فقال مجاهد: الْمُرَاغَمُ: المُتَزَحْزَح.
وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم: الْمُرَاغَمُ: المُتَحَوَّل والمَذْهَب.
وقال ابن زيد: والْمُرَاغَمُ: الْمُهَاجَرُ، وقاله أبو عبيدة.
قال النحاس: فهذه الأقوال متفقة المعاني. فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه، وهو مشتق من الرَّغَام. ورَغِمَ أنف فلان، أي: لصق بالتراب. وراغمت فلانًا هجرته وعاديته، ولم أبال إن رَغِم أنفه. وقيل: إنما سمي مُهَاجَرًا ومُرَاغَمًا، لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم، فسمى خروجه مُرَاغَمًا، وسمى مصيره إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هجرة. وقال السدي: الْمُرَاغَمُ: المُبْتَغى للمعيشة. وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: الْمُرَاغَمُ: الذهاب في الأرض.
وهذا كله تفسير بالمعنى، وكله قريب بعضه من بعض، فأما الخاص باللفظة، فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده، فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة. ومنه قول النابغة:
كطود يلاذ بأركانه ... عزيز المراغم والمهرب" (١)
الثالث: قد يرد التفسير لبيان المراد باللفظة في السياق، ولا يكون فيه تحرير معنى اللفظ في اللغة، ويكثر هذا الصنيع عند من كتب في الوجوه والنظائر؛ لأنهم يحرصون على المراد باللفظة في السياق دون بيان معناها من جهة اللغة، والتعرف على معناها من جهة اللغة يفيد في الربط بين المعنى السياقي والمعنى اللغوي للفظة.
ومن أمثلة ما ورد في هذا الموضوع ما ذكره مقاتل من وجوه لفظة (الطغيان) ونظائرها، قال: "تفسير الطغيان على أربعة وجوه: فوجه منها: الطغيان، يعني:
(١) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧، وأصله عند ابن عطية في المحرر الوجيز ٤/ ٢٢٨.