للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أن يكون تفسيرهم اللغوي مبطلًا لتفسير السلف اللغوي، وهذا قليل جدًّا، وتفسيرهم هذا لا يقبل.

قال أبو عبيدة (ت: ٢١٠ هـ): " {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [يوسف: ٣١]: أفعلت من العتاد، ومعناه: أعدت لهن متكًا؛ أي: نمرقًا تتكئ عليه.

وزعم قوم أنه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكأ أترج يأكلونه، ويقال: ألق له متكًا" (١).

وهذا الاعتراض من أبي عبيدة (ت: ٢١٠ هـ) غير مقبول، وكلام من فسر من السلف لا يخرج عن احتمالين:

- الاحتمال الأول: أن يكون من لغة العرب مما لم يعرفه أبو عبيدة.

- الاحتمال الثاني: أن يكون مما أعد الأترج، وأشار إلى وجوده السكين، فالسكين لا تعطى لتخريق المجلس، وإنما لتقطيع الفاكهة (٢).

الثالث: أن يكون في تفسيرهم اللغوي إضافة من قبيل التنوع، وهذا إذا كانت الآية تحتمله، فإنه يصح تفسير اللفظ القرآني به.

جاء في كتاب "العين": "والعَرْفُ: ريحٌ طيّبٌ، تقول: ما أطيب عَرْفَهُ، قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: ٦]؛ أي: طيَّبها" (٣).

والوارد عن مفسري السلف: عرَّفها: بيَّنها لهم، حتى إن الرجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدنيا، لا يشكل عليه ذلك.

والمعنيان متغايران، لكنهما غير متناقضين، والآية تحتملهما على سبيل التنوع.


(١) مجاز القرآن ١/ ١٠٨ - ٣٠٩.
(٢) قال الطبري: "وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة، ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه. ثم قال: ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب، فإن الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.
والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال من أن من قال لِلْمُتَّكَأِ هو الأترج، إنما بين الْمُعَدَّ في المجلس الذي فيه الْمُتَّكَأُ، والذي من أجله أعطين السكاكين؛ لأن السكاكين معلوم أنها لَا تُعَدُّ لِلْمُتَّكَأِ إِلَّا لتخريقه، ولم يعطين السكاكين لذلك. ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن الْمُتَّكَأَ هو المجلس".
(٣) كتاب العين ٢/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>