[٥٨٤٠] اختُلف في المراد بالذِّكْر على قولين: الأول: أنّه ذِكْر العذاب، فالمعنى: أفنُمْسِكُ عن عذابكم ونترُكُكم على كفركم؟!. الثاني: أنه القرآن، فالمعنى: أفنُمْسِكُ عن إنزال القرآن من أجل أنكم لا تؤمِنون به؟! ورجَّح ابنُ جرير (٢٠/ ٥٥٠) -مستندًا إلى السياق- القولَ الأول الذي قاله ابن عباس، والسُّدّيّ، ومجاهد، وأبو صالح، ومقاتل، فقال: «لأنّ الله -تبارك وتعالى- أتْبَع ذلك خبرَه عن الأمم السالفة قبل الأُمَّة التي توعّدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها، وما أحلّ بها مِن نقمته، ففي ذلك دليلٌ على أنّ قوله: {أفنضرب عنكم الذكر صفحا} وعيدٌ منه للمخاطبين به مِن أهل الشِّرك؛ إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم». وقال ابنُ عطية (٧/ ٥٣٣ - ٥٣٤): "قوله تعالى: {صَفْحًا} انتصابه كانتصاب {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: ٨٨]، فيحتمل أن يكون بمعنى: العفو والغفر للذنب، فكأنه يقول: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوًا عنكم وغفرًا لإجرامكم أن كنتم، أو من أجل أن كنتم قومًا مسرفين، هذا لا يصلح، وهذا قول ابن عباس ومجاهد، ويحتمل قوله: {صَفْحًا} أن يكون بمعنى: مغفولًا عنه، أي: نتركه يمرُّ لا تؤخذون بقوله ولا بتدبُّره ولا تُنَبهون عليه، وهذا المعنى نظير قول الشاعر: تمر الصبا صفحًا بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي إن يهب هبوبها أي: تمر مغفولًا عنها، فكأن هذا المعنى: أفنترككم سدًى، وهذا هو منحى قتادة وغيره، ومن اللفظة قول كثير: صفوحًا فما تلقاك إلا بخيلة فمَن ملّ منها ذلك الوصل ملّت".