للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهكذا كان التابعون لمن جاء بعدهم من أتباع التابعين، ثم كان كذلك أتباع التابعين لمن جاء بعدهم (١).

وعند هذه الطبقة توقف النقل في التفسير، وصارت هذه الطبقات الثلاث هي المعتمدة في التفسير عند المحققين من علماء التفسير، وقل الاجتهاد في الطبقة التي تليهم، فلا تكاد تجد من كان مشهورًا بالقول بالتفسير حتى بروز ابن جرير الطبري، وإن كنت ستجد كثيرين ممن كتب في التفسير، لكنه كان تاقلًا لأقوال هذه الطبقات الثلاث، ولم يكن له رأي مستقل.

وتختلف هذه المصادر في أمرين:

الأول: مدى اعتماد المفسرين عليها.

الثاني: الأكثر استعمالًا منها.

والأول يعتمد على المفسر، والثاني يعتمد على نوع المصدر.

وإذا تأملت هذه المصادر عند مفسري السلف، واستقرأت تفسيرهم، فإنه سيظهر لك أن اللغة هي أوسع المصادر استعمالًا عندهم، وعند من جاء بعدهم، فما من آية إِلا وهي محتاجة لبيان لغوي، لكن لا يلزم أن يكون لكل آيةٍ آيةٌ أخرى تفسرها، ولا أن يكون لها حديث يبيِّنها، كما لا يلزم أن يكون له حالٌ متعلقٌ بالنزول يوضّح ما فيها؛ إذ كثير من القرآن نزل ابتداءً غير مرتبط بحال معيَّنة (٢).


(١) يلاحظ أن هذه الطبقات صارت من المصادر النسبية، فالتفسير بالنسبة لمن قال به أوَّلًا من هذه الطبقات اجتهاد ورأي، وبالنسبة لمن نقله عنهم، فهو نقلٌ لا رأي.
(٢) قبل الحديث المفصل عن هذه المصادر يحسن التنججه على مجموعة من التقسيمات المهمة في هذا المجال:
الأول: النظر في ما يدخله الاجتهاد وما لا يدخله الاجتهاد، وفي هذا تنبيهان:
١ - التفسير المبني على اللغة لما لا يحتمل إِلا معنى واحدًا؛ لا يدخله الاجتهاد، بخلاف ما يحتمل أكثر من معنى؛ فإنه يدخله الاجتهاد.
٢ - المنقول البحت؛ كأسباب النزول الصريحة لا مدخل فيها للرأي والاجتهاد، والمنقول النسجي كتنزيل الآية على حدث معين هو اجتهاد بالنسبة لمن قال به أولًا، ثم يكون منقولا لمن جاء بعده.
الثاني: عدم التداخل بين كون المصدر نقلحا في الوصول إليه، وعقليًّا في التعامل معه، فمصدر الوصول إلى القرآن هو النقل، لكن يدخل الرأي في مقام الاستدلال والوجوه والنظائر والاستشهاد. . .؛ إذ ليس كل ربطِ آية بآية يكون من قبيل التفسير، كما سيأتي.
وكذا اللغة، وسيلة الوصول إليها هو النقل، لكن التفسير بها حال تعدد المعاني المحتملة هو الرأي والاجتهاد، وعلى هذا النظر قس بقية المصادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>