للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه، فقال: «أنت أعلم اليهود؟». فقال: عبد الله أعلم مني. قال: «فمَن أعلم اليهود بعد عبد الله؟». فسكت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنت أعلم اليهود بعد عبد الله». قال: كذلك يزعمون. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فإني أدعوكم إلى الله، وإلى عبادته ودينه». قالوا: لن نتّبعك وندع دين موسى. فخرج عبد الله بن سلام من السّتر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هذا عبد الله قد آمن بي». فجادلهم عبد الله بن سلام مليًّا، فجعل يخبرهم ببعْث النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفته في التوراة، فقال ابن صوريا: إنّ عبد الله بن سلام شيخ كبير قد ذهب عقله، ما يتكلم إلا بما يجيء على لسانه. فذلك قوله: {قُلْ أرَأَيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ} يعني: عبد الله بن سلام {عَلى مِثْلِهِ} يعني: على مثل ما شهد عليه يامين بن يامين، كان أسلم قبل عبد الله بن سلام، وكان يامين مِن بني إسرائيل من أهل التوراة، {فَآمَنَ} بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول: {فآمن واسْتَكْبَرْتُمْ} يقول: صدّق ابنُ سلام بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، واستكبرتم أنتم عن الهُدى وعن الإيمان، يعني: اليهود، {إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ} يعني: اليهود إلى الحُجّة (١). (ز)

٧٠٤٦٧ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ}، قال: هذا عبد الله بن سلام، شهد أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه حقّ، وهو في التوراة حقٌّ، فآمن واستكبرتم (٢). (ز)

٧٠٤٦٨ - عن مالك بن أنس =

٧٠٤٦٩ - وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنّ الذين قال الله: {وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ}، قال: هو عبد الله بن سلام (٣) [٥٩٦٨]. (ز)


[٥٩٦٨] اختُلف في المراد بالشاهد، وبحسب هذا اختُلف في مكية السورة ومدنيتها على أقوال: الأول: أنّ الآية مدنية، والشاهد عبد الله بن سلام. وقوله: {عَلى مِثْلِهِ} الضمير فيه عائد على قول محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن: إنه من عند الله. الثاني: أنه رجل من بني إسرائيل غير عبد الله بن سلام كان بمكة، والآية مكية. الثالث: الآية مكية، والشاهد عبد الله بن سلام. الرابع: أن الشاهد موسى بن عمران، والآية مكية.
وعلَّق ابنُ عطية (٧/ ٧١٥) على القول الأخير الذي قاله مسروق، والشعبي، بقوله: «قوله تعالى: {على مثله} يريد بالمثل: التوراة، والضمير عائد -على هذا التأويل- على القرآن، أي: جاء شاهدٌ مِن بني إسرائيل بمثله، وشهد أنّه مِن عند الله تعالى».
ورجَّح ابنُ جرير (٢١/ ١٣١) أنّ الشاهدَ عبد الله بن سلام مستندًا إلى أقوال السلف، وأحوال النُّزول، كما قوّى القول الأخير من جهة السياق، فقال: «لأن قوله: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} في سياق توبيخ الله -تعالى ذكره- مشركي قريش، واحتجاجًا عليهم لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجرِ لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذِكر فتُوجّه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى». ثم قال: «غير أنّ الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنّ ذلك عني به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أُريدَ به».
ورجَّح ابنُ كثير (١٣/ ١١) -مستندًا إلى أحوال النزول والنظائر- أنّ الشاهد اسم جنس يعمّ عبد الله بن سلام وغيره، ثم قال: «فإنّ هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام، وهذه كقوله: {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} [القصص: ٥٣]، وقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٨]».
وساق ابنُ عطية (٥/ ٩٥ ط: دار الكتب العلمية) الأقوال، ثم علَّق بقوله: «قوله: {فآمن} -على هذا التأويل [يعني: قول مسروق]- يعني به: تصديق موسى بأمر محمد، وتبشيره به. فذلك إيمان به، وأما مَن قال: الشاهد عبد الله بن سلام، فإيمان بيّن، وكذلك إيمان الإسرائيلي الذي كان بمكة في قول من قاله». ثم ذكر (٧/ ٦١٥) قولًا بأن الفاعل بـ «آمن» هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلَّق عليه بقوله: «وهذا من القائلين بأن الشاهد هو موسى بن عمران - عليه السلام -».

<<  <  ج: ص:  >  >>