وعلَّق ابنُ عطية (٧/ ٧١٥) على القول الأخير الذي قاله مسروق، والشعبي، بقوله: «قوله تعالى: {على مثله} يريد بالمثل: التوراة، والضمير عائد -على هذا التأويل- على القرآن، أي: جاء شاهدٌ مِن بني إسرائيل بمثله، وشهد أنّه مِن عند الله تعالى». ورجَّح ابنُ جرير (٢١/ ١٣١) أنّ الشاهدَ عبد الله بن سلام مستندًا إلى أقوال السلف، وأحوال النُّزول، كما قوّى القول الأخير من جهة السياق، فقال: «لأن قوله: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} في سياق توبيخ الله -تعالى ذكره- مشركي قريش، واحتجاجًا عليهم لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجرِ لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذِكر فتُوجّه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى». ثم قال: «غير أنّ الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنّ ذلك عني به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أُريدَ به». ورجَّح ابنُ كثير (١٣/ ١١) -مستندًا إلى أحوال النزول والنظائر- أنّ الشاهد اسم جنس يعمّ عبد الله بن سلام وغيره، ثم قال: «فإنّ هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام، وهذه كقوله: {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} [القصص: ٥٣]، وقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٨]». وساق ابنُ عطية (٥/ ٩٥ ط: دار الكتب العلمية) الأقوال، ثم علَّق بقوله: «قوله: {فآمن} -على هذا التأويل [يعني: قول مسروق]- يعني به: تصديق موسى بأمر محمد، وتبشيره به. فذلك إيمان به، وأما مَن قال: الشاهد عبد الله بن سلام، فإيمان بيّن، وكذلك إيمان الإسرائيلي الذي كان بمكة في قول من قاله». ثم ذكر (٧/ ٦١٥) قولًا بأن الفاعل بـ «آمن» هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلَّق عليه بقوله: «وهذا من القائلين بأن الشاهد هو موسى بن عمران - عليه السلام -».