[٥٩٩٠] اختُلف هل علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدوم الجن عليه أم لا؟ وساق ابنُ عطية (٧/ ٦٣١) القولين، ثم رجَّح أنّ الوفد الوارد ذكره هنا غير الوفد المشار إليه في سورة الجن، فقال: «والتحرير في هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه جنٌّ دون أن يعرف بهم، وهم المتفرّقون من أجل الرّجم، وهذا هو قوله تعالى: {قل أوحي إلي} [الجن: ١]، ثم بعد ذلك وفد عليه وفد، وهو المذكور صرْفه في هذه الآية». ولم يذكر مستندًا. وساق ابنُ كثير (١٣/ ٣١ - ٣٢) آثارًا تدل على عدم علم النبي بهم حال قراءته، وبيّن أنّ ما يعارضها مِن آثار تقتضي علمه، فيُحتمل أنه كان في مرة أخرى؛ إذ تكاثر الروايات يدل على تكرار توافد الجن عليه، فقال: «فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعًا، [وهو حديث ابن مسعود الآتي في الآثار المتعلقة بالآيات أن شجرة آذنت الني - صلى الله عليه وسلم - بالجن] فيحتمل أن يكون هذا في المرة الأولى، ويكون إثباتًا مقدمًا على نفي ابن عباس المذكور في تفسير الآية من طريق العوفي، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات، والله أعلم. ويحتمل أن يكون في الأولى ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذَنَته بهم الشجرة، أي: أعلمته باستماعهم». وعلَّق (١٣/ ٤٢) على ما جاء عن ابن مسعود من اختلاف في الروايات بأنه يحتمل الآتي: أنه لم يكن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال مخاطبته الجنّ ودعائه إياهم، وإنما كان بعيدًا منه، ولم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد سواه، ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة. الثاني: أن يكون أول مرّة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ولا غيره، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى. وعلَّق ابن عطية (٧/ ٦٣٢) على ما روي عن ابن مسعود بقوله: «واضطربت الروايات عن عبد الله بن مسعود ... فاختصرتُ هذه الروايات وتطويلها؛ لعدم صحتها».