للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يغلِّس ويُسفر، ويقول: «ما بين هذين وقت؛ لكيلا يختلف المؤمنون». فصلّى بنا ذات يوم بغَلَس، فلمّا قضى الصلاةَ التفتَ إلينا، كأن وجهه ورقة مصحف، فقال: «أفيكم مَن رأى الليلة شيئًا؟». قلنا: لا، يا رسول الله. قال: «لكني رأيت ملَكين أتياني الليلة، فأخذا بضَبْعَيّ (١)، فانطَلَقا بي إلى السماء الدنيا، فمررتُ بمَلك وأمامه آدميٌّ، وبيده صخرة، فيضرب بهامة الآدميّ، فيقع دماغه جانبًا، وتقع الصخرة جانبًا، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضِه. فمضيتُ، فإذا أنا بمَلك وأمامه آدميّ، وبيد المَلك كَلُّوب (٢) من حديد، فيضعه في شِدْقه الأيمن، فيشقّه حتى ينتهي إلى أُذنه، ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن، قال: قلت: ما هذا؟ قالا: امضِه. فمضيتُ، فإذا أنا بنهر من دم يمور كمَور المِرجل، على فِيه قوم عراة، على حافّة النهر ملائكة بأيديهم مِدْرتان (٣)، كلما طلع طالع قذفوه بمِدرة، فيقع في فِيه، ويسيل إلى أسفل ذلك النهر، قلت: ما هذا؟ قالا: امضِه. فمضيتُ فإذا أنا ببيت أسفله أضيق من أعلاه، فيه قوم عراة، توقد من تحتهم النار، أمسكتُ على أنفي من نَتْن ما أجد من ريحهم، قلتُ: مَن هؤلاء؟ قالا لي: امضِه. فمضيتُ، فإذا أنا بتَلٍّ أسود عليه قوم مُخبَّلون (٤)، تُنفُخ النار في أدبارهم فتَخْرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم، قلتُ: ما هذا؟ قالا لي: امضِه. فمضيتُ فإذا أنا بنار مُطبَقة، مُوكَّل بها ملك، لا يخرج منها شيء إلا اتّبعه حتى يعيده فيها، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضِه. فمضيتُ فإذا أنا بروضة، وإذا فيها شيخ جميل لا أجمل منه، وإذا حوله الولدان، وإذا شجرة ورقها كآذان الفيلة، فصعِدتُ ما شاء الله من تلك الشجرة، وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها، من زُمُرّدة جوفاء، وزَبَرْجَدة خضراء، وياقوته حمراء، قلتُ: ما هذا؟ قالا: امضِه. فمضيتُ فإذا أنا بنهر عليه جِسران من ذهب وفِضّة، على حافتي النهر منازل، لا منازل أحسن منها، من دُرّة جوفاء، وزَبَرْجَدة خضراء، وياقوتة حمراء، وفيه قدحان وأباريق تَطَّرد، قلتُ: ما هذا؟ قالا لي: انزل. فنزلتُ، فضربتُ بيدي إلى إناء منها، فغرفتُ ثم شربتُ، فإذا أحلى من عسل، وأشدّ بياضًا من اللبن، وألين من الزُّبْد. فقالا لي: أمّا صاحب الصخرة التي رأيتَ يَضرِب بها هامة الآدميّ فيقع دماغه جانبًا وتقع الصخرة في جانب، فأولئك


(١) الضَّبْعُ: وسط العضد. وقيل: هو ما تحت الإبط. النهاية (ضبع).
(٢) الكَلُّوب: حديدة معوجة الرأس. النهاية (كلب).
(٣) المدراة: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط. النهاية (درى).
(٤) الاختبالُ: الحَبسُ. التاج (خبل).

<<  <  ج: ص:  >  >>