ورجَّح ابنُ جرير (٢١/ ٢٦٤) القول الأول، وهو قول مجاهد، ومقسم، وقتادة، وجويبر. وانتقد (٢١/ ٢٦٣) القول الرابع، وهو قول ابن زيد، مستندًا إلى أحوال النزول، والدلالة العقلية، فقال: «وهذا الذي قاله ابن زيد قولٌ لا وجْه له؛ لأن قول الله - عز وجل -: {فاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبَدًا ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} إنما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُنصَرَفَه مِن تبوك، وعُنِيَ به الذين تخلَّفوا عنه حين توجَّه إلى تبوك لغزو الروم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ تبوك كانت بعد فتح خَيْبَر، وبعد فتح مكة أيضًا، فكيف يجوز أن يكون الأمرُ على ما وصفنا معنِيًّا بقول الله: {يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}، وهو خبرٌ عن المتخلِّفين عن المسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -إذ شخَص معتمرًا يريد البيت، فصدَّه المشركون عن البيت- الذين تخلَّفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أُوحِي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: {فاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبَدًا ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا}». وانتقده ابنُ عطية (٧/ ٦٧٥) -مستندًا إلى أحوال النزول- قائلًا: «وهذا قول ضعيف؛ لأنّ هذه الآية نزلتْ في رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، وهذا في آخر عمره - صلى الله عليه وسلم -، وآية هذه السورة نزلت سنة الحُدَيبية، وأيضًا فقد غزت جُهَينة ومُزَيْنَة بعد هذه المدة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد فضَّلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -بعد ذلك- على تميم وغطفان وغيرهم مِن العرب، الحديث المشهور، فأخبره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خَيْبَر: {لَنْ تَتَّبِعُونا}، وخصَّ الله تعالى بها أهل الحُدَيبية». ونحوه قال ابنُ كثير (١٣/ ١٠٢).