للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «قوموا، فانحروا، ثم احلِقوا». فواللهِ، ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقُم منهم أحد قام فدخل على أُمّ سَلَمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أُمّ سَلَمة: يا نبي الله، أتحبّ ذلك؟ قال: «نعم». قالت: فاخرج، ثم لا تُكلّم أحدًا منهم حتى تَنحر بُدنك، وتدعو حالِقك فيحلِقك. فقام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فخرج، فلم يُكلّم أحدًا منهم كلمة حتى فعل ذلك؛ نَحر بُدنه، ودعا بحالِقه فحلَقه، فلمّا رأَوا ذلك قاموا فنَحَروا، وجعل بعضهم يحلِق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتُل بعضًا غمًّا، ثم جاءه نسوة مؤمنات؛ فأنزل الله: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ} حتى بلغ: {بِعِصَمِ الكَوافِرِ} [الممتحنة: ١٠]، فطلَّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشِّرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أُميّة، ثم رجع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فجاءه أبو بَصير -رجل من قريش- وهو مُسلم، فأَرسلوا في طَلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلتَه لنا! فدفعه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحُلَيفة، فنزلوا يأكلون مِن تمْرٍ لهم، فقال أبو بَصير لأحد الرّجلين: واللهِ، إنِّي لأرى سيفك هذا -يا فلان- جيِّدًا. فاستلّه الآخر، وقال: أجَلْ، واللهِ، إنّه لَجَيِّد، لقد جَرَّبتُ به وجَرَّبتُ. فقال له أبو بَصير: أرِني أنظر إليه. فأمْكَنه منه، فضربه حتى بَرَدَ (١)، وفَرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدُو، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه: «لقد رأى هذا ذُعرًا». فلما انتهى إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قد قُتل -واللهِ- صاحبي، وإنِّي لمقتول. فجاء أبو بَصير، فقال: يا نبي الله، قد أوفى الله بذِمّتك، قد رَدَدتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. فقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ويْلُ أُمِّهِ (٢)، مِسْعَر حربٍ لو كان له أحد!». فلمّا سمع ذلك عرف أنه سيردّه إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البحر (٣). قال: وينفَلِتُ منهم أبو جندل، فلحِق بأبي بصير، فجعل لا يخرج رجلٌ مِن قريش رجل قد أسلم إلا لحِق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، قال: فواللهِ، ما يسمعون بِعِيرٍ لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلتْ قريش إلى النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تُناشده اللهَ والرَّحِم لَما أرسل إليهم، فمَن أتاه منهم فهو آمن. فأرسَل إليهم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛


(١) برد: خمدت حواسه، وهي كناية عن الموت؛ لأن الميت تسكن حركته، وأصل البرد: السكون. فتح الباري ٥/ ٣٤٩.
(٢) ويلُ أمِّه: كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم. فتح الباري ٥/ ٣٥٠.
(٣) سيف البحر: ساحله. فتح الباري ٥/ ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>