للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٢٦٤ - قال مقاتل بن سليمان: {إلا لنعلم}: إلا لنرى [٥٣٩] {من يتبع الرسول} يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على دينه في القِبلة، ومن يخالفه من اليهود {ممن ينقلب على عقبيه} يقول: ومن يرجع إلى دينه الأول (١). (ز)


[٥٣٩] في قوله تعالى: {إلا لنعلم} قولان للسلف، الأول: إلا لنُمَيِّز. الثاني: إلا لِنَرى.
وقد علَّق ابنُ عطية عليهما بقوله (١/ ٣٧١): «وهذا كله متقارب، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن».
وعلّق ابنُ تيمية (١/ ٣٧٣) على القول الثاني بقوله: «ففسَّر العلم المقرون بالوجود بـ: الرؤية، فإن المعدوم لا يرى، بخلاف الموجود، وإن كانت الرؤية تتضمن علمًا آخر».
وذكر ابنُ جرير (٢/ ٦٤٤) ما أفاده قولُ مقاتل مِن أنّ العلم المذكور في قوله: {إلا لنعلم} مراد به الرؤية، وانتَقَدَه مُسْتَنِدًا إلى الدلالة العقلية، واللغة، فقال: «وهذا تأويل بعيد؛ من أجل أنّ الرؤية -وإن استُعْمِلَت في موضع العلم من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئًا- فلا تُوجِب له رؤيته إيّاه علمًا بأنّه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إيّاه علمًا، وصح أن يَدُلَّ بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك -وإن جاز في الرؤية لِما وصفنا- بجائز في العلم، فيدُلُّ بذِكْرِ الخبر عن العلم على الرؤية؛ لأنّ المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها، ويستحيل أن يرى شيئًا إلا علمه، على ما قد قدمنا البيان، مع أنّه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يُقال: علمت كذا بمعنى: رأيته، وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكلام إلى ما كان موجودًا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودًا في كلامها، فموجود في كلامها: رأيت، بمعنى: علمت، وغير موجود في كلامها: علمت، بمعنى: رأيت، فيجوز توجيه قوله: {إلا لنعلم} إلى معنى: إلا لنرى».
وزاد ابنُ عطية في معنى الآية عدة أقوال أخرى، فقال: «ومعنى قوله تعالى: {لنعلم} أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجَبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التَّجَوُّز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل، ووجه آخر: وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى مُتَّصِفٌ في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله: {لنعلم} ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى {لنعلم}: لنبتدئ العلم، وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>