للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسلام، وقرأ عليهم حَرامٌ الصحيفة، فأبَوْا، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فلمّا عرفوا أنهم مقتولون قالوا: اللهم، إنّك تعلم أنّ رسولك أرسَلَنا، وإنّا لا نجد مَن يُبلِّغ عنّا رسولك غيرك، فأَقْرِءه منّا السلام، فقد رضينا بحُسْن قضائك لنا. وحمل عامر بن الطُّفيل على حَرامٍ، فطَعنه، فقَتله، وقُتِلَ بقيّتهم غير المنذر بن عمرو، فإنه كان دارِعًا مُقنّعًا، وعُروة بن أسماء السلمي، فقُتل المنذر بعد ذلك، فقالوا لعُروة: لو شئنا لقتلناك، فأنت آمِنٌ؛ فإن شئتَ فارجع إلينا، وإن شئتَ فاذهب إلى غيرنا، فأنت آمِنٌ. قال عرُوة: إني عاهدتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألّا أضع يدي في يد مشرك، ولا أتِّخذه وليًّا. وجعل يحمل عليهم، ويضربونه بِعُرْضِ رِماحهم، ويناشدونه، ويأبى عليهم، فرَمَوه بالنَّبل حتى قتلوه، وأتى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بحالهم، فنَعاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، وقال: «أرسَل إخوانكم يُقرءونكم السلام، فاستغْفِروا لهم». ووجد الأربعةُ بعيرهم حين أصبحوا، فساروا، فلمّا دنَوا مِن ماء بني عامر لقيَتْهم وليدةٌ لبني عامر، فقالت: أمِن أصحاب محمد أنتم؟ فقالوا: نعم. رجاء أن تُسلم، فقالت: إنّ إخوانكم قد قُتلوا حول الماء، النّجاءَ النّجاءَ، ألا ترون إلى النُّسُور والعِقْبانِ قد تعلّقن بلحومهم! فقال بشير الأنصاري: دونكم بعيرَكم، أنظُر لكم. فسار نحوهم، فرأى إخوانهم مُقتَّلين كأمثال البُدن حول الماء، فرجع إلى أصحابه، فأخبرهم، وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنخبره الخبر. فقال بشير: لكني لا أرجع -واللهِ- حتى أتغدّى مِن غداء القوم، فأقْرِءوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي السلام ورحمة الله. ثم أتاهم، فحمَل عليهم، فناشدوه أن ارجع، فأبى، وحمَل عليهم، فقَتل منهم، ثم قُتِلَ بعد، فرجع الثلاثة يسلون بعيرهم سلًّا، فأتَوا المدينة عند جنوح الليل، فلَقوا رجلين مِن بني سليم جائين مِن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: مَن أنتما؟ قالا: من بني عامر. لأنهم كانوا قريبًا مِن بني عامر بالمدينة، ولا يشعران بصنيع بنى عامر، فقالوا: هذان مِن الذين قاتلوا إخواننا. فقتلوهما، وسَلبُوهما، ثم دخلوا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُخبروه، فوجدوا الخبرَ قد سبق إليه، ثم قالوا: يا نبيَّ الله، غشينا المدينة عند المساء، فلَقِينا رجلين مِن بني عامر، فقتلناهما، وهذا سَلَبهما. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بل هما مِن بني سليم مِن حلفائي، بئس ما صنعتما، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة». فنَزَلتْ فيهم: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ} يقول: لا تُعجّلوا بقتْل أحد، ولا بأمرٍ؛ حتى تستأمروا النبي - صلى الله عليه وسلم -. فوعظهم في ذلك، وأقبل قوم السُّلميين، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنّ صاحبَيْنا قُتِلا عندك. فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>