للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧١٨٥١ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {قالَتِ الأَعْرابُ آمَنّا} قال: لم يُصدِّقوا إيمانهم بأعمالهم، فردّ الله ذلك عليهم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا} وأخبرهم أنّ المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، أولئك هم الصادقون، صدّقوا إيمانهم بأعمالهم؛ فمَن قال منهم: أنا مؤمن. فقد صدق. قال: وأمّا مَن انتحل الإيمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب، وليس بصادق (١). (ز)

٧١٨٥٢ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- وقرأ قول الله: {ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا}: استَسْلمنا، دخلنا في السّلم، وتركنا المحاربة والقتال بقولهم: لا إله إلا الله. وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله» (٢) [٦١١٢]. (ز)


[٦١١٢] اختُلِف في السبب الذي من أجله قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قل لهؤلاء الأعراب: قولوا أسلمنا، ولا تقولوا آمنا، على ثلاثة أقوال: الأول: أنه أُمِرَ - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأن القوم كانوا صدَّقوا بألسنتهم، ولم يصدِّقوا قولَهم بفعلِهم، فقيل لهم: قولوا أسلمنا؛ لأن الإسلام قول، والإيمان قول وعمل. والثاني: أنه أُمِرَ - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأنهم أرادوا أن يتسمَّوا بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا، فأعلمهم الله أن لهم أسماء الأعراب، لا أسماء المهاجرين. والثالث: أنه أُمِرَ - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأن القوم مَنُّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم، فقال الله لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: قل لهم لم تؤمنوا، ولكن استسلمتم خوف السباء والقتل.
وعلَّقَ ابنُ كثير (١٣/ ١٧٥) على القول الأول بقوله: «هذا معنى قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، وإبراهيم النخعي، وقتادة، واختاره ابن جرير».
ورجَّحَ ابن جرير (٢١/ ٣٩٢)، وكذا ابنُ كثير القولَ الأولَ -وهو قول الزُّهريّ، وإبراهيم النخعيّ، وغيرهما- استنادًا إلى ظاهر الآيات، والدلالة العقلية، فقال ابنُ جرير: «وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن الزُّهريّ، وهو أنّ الله تقدم إلى هؤلاء الأعراب الذين دخلوا في الملة إقرارًا منهم بالقول، ولم يحقّقوا قولهم بعملهم أن يقولوا بالإطلاق: آمنّا. دون تقييد قولهم بذلك بأن يقولوا: آمنا بالله ورسوله. ولكن أمرهم أن يقولوا القول الذي لا يُشْكِل على سامعيه، والذي قائله فيه محق، وهو أن يقولوا: أسلمنا. بمعنى: دخلنا في الملة، وحقنّا الدماء والأموال، بشهادة الحقّ».
وقال ابنُ كثير (١٣/ ١٧٥): «الصحيح الأول، أنهم قوم ادَّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يحصل لهم بعد، فأُدِّبوا وأُعلِمُوا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعُنِّفوا وفُضِحُوا كما ذكر المنافقون في سورة براءة، وإنما قيل لهؤلاء تأديبًا: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد».
وهو ظاهر كلام ابن القيم (٣/ ٩ بتصرف)، حيث قال: «قوله تعالى: {قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا} نفيًا للإيمان المطلق، لا لمطلق الإيمان؛ لوجوه: منها: أنه أمرهم أو أذن لهم أن يقولوا: أسلمنا. والمنافق لا يقال له ذلك. ومنها: أنه قال: {قالَتِ الأعْرابُ} ولم يقل: قال المنافقون. ومنها: أن هؤلاء الجُفاة الذين نادوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحُجرات ورفعوا أصواتهم فوق صوته غلظةً منهم وجفًاء لا نفاقًا وكفرًا. ومنها: أنه قال: {ولَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ولم ينفِ دخول الإسلام في قلوبهم، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام كما نفى الإيمان. ومنها: أن الله تعالى قال: {وإنْ تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِن أعْمالِكُمْ شَيْئًا} أي: لا ينقصكم، والمنافق لا طاعة له. ومنها: أنه قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ} فأثبت لهم إسلامهم، ونهاهم أن يمنّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن إسلامًا صحيحًا لقال: لم تسلموا بل أنتم كاذبون. كما كذّبهم في قولهم: {نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] لَمّا لم تطابق شهادتُهم اعتقادهم. ومنها: أنه قال: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} ولو كانوا منافقين لما منّ عليهم. ومنها: أنه قال: {أنْ هَداكُمْ لِلإيمانِ} ولا ينافي هذا قوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} فإنّه نفى الإيمان المطلق، ومَنَّ عليهم بهدايتهم إلى الإسلام الذي هو متضمن لمطلق الإيمان. ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قسم القسم قال له سعد: أعطيتَ فلانًا وتركت فلانًا وهو مؤمن! فقال: «أو مسلم» ثلاث مرات. وأثبت له الإسلام دون الإيمان. والمقصود: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان؛ فالإيمان المطلق يمنع دخول النار، ومطلق الإيمان يمنع الخلود فيها».
وبنحوه قال ابنُ تيمية (٦/ ٧١ - ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>