[٦١٦١] اختُلف في الشهيد على قولين: الأول: أنه من المشاهدة وهي الحضور. الثاني: أنه شهيد من الشهادة، وفيه على هذه أقوال: الأول: أنه شهادة من الله عنده على صحة نبوة رسول الله بما علمه من الكتب المنزلة. الثاني: أنه شاهد على صحة ما معه من الإيقان. ذكره ابنُ القيم (٣/ ١٥). الثالث: أنه شاهد من الشهداء على الناس يوم القيامة. ذكره ابن القيم. ورجَّح ابنُ القيم -مستندًا إلى اللغة- القول بأنه من المشاهدة، فقال: «والصواب القول الأول؛ فإن قوله: {وهو شهيد} جملة حالية؛ الواو فيها واو الحال، أي: ألقى السمع في هذه الحال، وهذا يقتضى أن يكون حال إلقائه السمع شهيدًا، وهذا هو من المشاهدة والحضور». وانتقد (٣/ ١٥ - ١٦) القول بأنه من الشهادة مستندًا للعموم، وأحوال النزول، ودلالة العقل، واللغة، فقال: «ولو كان المراد به الشهادة في الآخرة أو الدنيا لما كان لتقييدها بإلقاء السمع معنًى؛ إذ يصير الكلام: إنّ في ذلك لآية لمن كان له قلب أو ألقي السمع حال كونه شاهدًا بما معه في التوراة أو حال كونه شاهدًا يوم القيامة. ولا ريب أن هذا ليس هو المراد بالآية. وأيضًا فالآية عامة في كلّ مَن له قلب وألقى السمع فكيف يُدّعى تخصيصها بمؤمني أهل الكتاب الذين عندهم شهادة مِن كتبهم على صفة النبي؟ وأيضًا فالسورة مكية والخطاب فيها لا يجوز أن يختص بأهل الكتاب، ولا سيما مثل هذا الخطاب الذي علق فيه حصول مضمون الآية ومقصودها بالقلب الواعي وإلقاء السمع، فكيف يقال: هي في أهل الكتاب؟! فإن قيل: المختص بهم قوله: {وهو شهيد} فهذا أفسد وأفسد؛ لأن قوله: {وهو شهيد} يرجع الضمير فيه إلى جملة مَن تقدم، وهو مَن له قلب أو ألقى السمع، فكيف يُدّعى عوده الى شيء غايته أن يكون بعض المذكور أولًا، ولا دلالة في اللفظ عليه. وأيضًا فإن المشهود به محذوف، ولا دلالة في اللفظ عليه، فلو كان المراد به وهو شاهد بكذا لذكر المشهود به؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، وهذا بخلاف ما إذا جعل من الشهود وهو الحضور، فإنه لايقتضى مفعولًا مشهودًا به، فيتم الكلام بذكره وحده».