للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٢٥١٥ - قال مقاتل بن سليمان: {كانُوا قليلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} ما ينامون (١). (ز)

٧٢٥١٦ - عن حفص بن مَيْسرة، قال: بلغني في قول الله: {كانُوا قليلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} ما بين المغرب والعشاء، كانت الأنصار يُصَلُّون المغرب فينصرفون إلى قباء، فبدا لهم، فأقاموا حتى صَلُّوا العشاء، فنَزَلَتْ فيهم هذه الآية: {كانُوا قليلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} ما بين المغرب والعشاء، {وبِالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يَغدون من قباء فيُصَلُّون في مسجد النبي (٢) [٦١٨٧]. (ز)


[٦١٨٧] اختُلف في تفسير قوله: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} على أقوال: الأول: معناه: كانوا قليلًا من الليل لا يهجعون، وقالوا: {ما} بمعنى الجحد. الثاني: كانوا قليلًا من الليل يهجعون، ووجهوا {ما} التي في قوله: {ما يهجعون} إلى أنها صلة. الثالث: معناه: كانوا يُصَلُّون العَتَمَة. الرابع: أن معناه: كان هؤلاء المحسنون قبل أن تُفرض عليهم الفرائض قليلًا من الناس، والكلام بعد قوله: {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} كانوا قليلًا مستأنف بقوله: {من الليل ما يهجعون}.
وقد بيّن ابنُ جرير (٢١/ ٥٠٦) أنه على القول الثاني «يجوز أن تكون {ما} في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم». ثم قال: «وأما مَن جعل {ما} صلة فإنه لا موضع لها؛ ويكون تأويل الكلام على مذهبه: كانوا يهجعون قليل الليل، وإذا كانت {ما} صلة كان القليل منصوبًا بـ {يهجعون}».
وعلّق على القول الثالث، فقال: «وعلى هذا التأويل {ما} في معنى الجحد». وعلّق على القول الرابع، فقال: «فالواجب أن تكون {ما} على هذا التأويل بمعنى الجحد».
ثم رجّح (٢١/ ٥٠٩) -مستندًا إلى الأغلب من ظاهر اللفظ- القول الثاني، فقال: «وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} قول مَن قال: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم؛ لأن الله -تبارك وتعالى- وصفهم بذلك مدحًا لهم، وأثنى عليهم به، فوصفهم بكثرة العمل، وسهر الليل، ومكابدته فيما يُقرّبهم منه ويرضيه عنهم أولى وأشبه من وصفهم من قلّة العمل، وكثرة النوم، مع أنّ الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل».
وبنحوه ابنُ عطية (٨/ ٦٧) حيث قال: «وظاهر الآية عندي أنهم كانوا يقومون الأكثر من ليلهم، أي: من كل ليلة». وبيّن أن {ما} على هذا مصدرية و {قليلًا} خبر كان، و «الهجوع» مرتفع بـ {قليلًا} على أنه فاعل، ويكون المعنى على هذا: «كانوا قليلًا من الليل هجوعهم».
وكذا ابنُ تيمية (٦/ ١٠٢) مستندًا إلى النظائر، فقال: «وأصح الأقوال: أنّ معناه: كانوا يهجعون قليلًا. فـ {قليلًا} منصوب بـ {يهجعون} و {ما} مؤكدة. وهذا مثل قوله: {بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون} [البقرة: ٨٨]، وقوله: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون} هو مُفسّر في سورة المزمل بقوله: {قم الليل إلا قليلا*نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: ٢ - ٤]، فهذا المستثنى من الأمر هو القليل المذكور في تلك السور، وهو قليل بالنسبة إلى مجموع الليل والنهار؛ فإنهم إذا هجعوا ثلثه أو نصفه أو ثلثاه فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يهجعوه من الليل والنهار، وسواء ناموا بالنهار أو لم يناموا».
وانتقد ابنُ القيم (٣/ ٣٥) -مستندًا إلى الدلالة العقلية، والسنة، والنظائر- القول الأول بقوله: «وهذا ضعيف لوجوه» ثم ذكر لضعفه عدة وجوه، أهمها ما يلي: ١ - أنّ هذا ليس بلازم لوصف المتقين الذين يستحقون هذا الجزاء. ٢ - أنّ قيام مَن نام من الليل نصفه أحبّ إلى الله من قيام مَن قامه كلّه. ٣ - أنه لو كان هذا مرادًا لكان النبي أولى به، وما قام ليلة حتى الصباح. ٤ - أنه سبحانه لما أمره بقيام الليل في سورة المزمل إنما أمره بقيام النصف أو النقصان منه أو الزيادة عليه فذكر له هذه المراتب الثلاثة، ولم يذكر قيامه كلّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>