وبيّن ابنُ عطية (٨/ ١٠٢) أنّ مَن جعله التسبيح المعروف بالكلام جعل قوله: {حين تقوم} مثالًا، أي: حين تقوم وحين تقعد وفي كل تصرفك. وبنحوه قال ابنُ تيمية (٦/ ١٢٥).الثاني: أنه التسبيح حين القيام إلى الصلاة. وهذا على قولين: الأول: أنها الصلوات المفروضة. قاله الضَّحّاك. الثاني: أنها النوافل. قاله ابن زيد. وذكر ابنُ عطية أنّ مَن قال إنها الصلوات المفروضة فقوله: {حين تقوم} الظهر والعصر، أي: حين تقوم من نوم القائلة، {ومن الليل} المغرب والعشاء، {وإدبار النجوم} الصبح، ومَن قال هي النوافل جعل {وإدبار النجوم} ركعتي الفجر. وبنحوه قال ابنُ تيمية (٦/ ١٢٥). ورجَّح ابنُ جرير (٢١/ ٦٠٦ - ٦٠٧) -مستندًا إلى الدلالة العقلية، والسياق- القول بأن التسبيح هو الصلاة، وأن قوله: {حين تقوم} المراد به: حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر. فقال: «وإنما قلنا: عنى به القيام من نوم القائلة؛ لأنه لا صلاة تجب فرضًا بعد وقت من أوقات نوم الناس المعروف إلا بعد نوم الليل، وذلك صلاة الفجر، أو بعد نوم القائلة، وذلك صلاة الظهر؛ فلما أمر بعد قوله: {وسبح بحمد ربك حين تقوم} بالتسبيح بعد إدبار النجوم، وذلك ركعتا الفجر بعد قيام الناس مِن نومها ليلًا، عُلم أنّ الأمر بالتسبيح بعد القيام من النوم هو أمرٌ بالصلاة التي تجب بعد قيام من نوم القائلة على ما ذكرنا دون القيام من نوم الليل». وانتقد ما قاله الضَّحّاك مستندًا للإجماع، فقال: «لأنّ الجميع مُجمِعون على أنه غير واجب أن يقال في الصلاة: سبحانك وبحمدك، وما رُوي عن الضَّحّاك عند القيام إلى الصلاة، فلو كان القول كما قاله الضَّحّاك لكان فرضًا أن يُقال؛ لأن قوله: {وسبح بحمد ربك} أمرٌ من الله تعالى بالتسبيح، وفي إجماع الجميع على أن ذلك غير واجب الدليل الواضح على أنّ القول في ذلك غير الذي قاله الضَّحّاك. فإن قال قائل: ولعله أريد به الندب والإرشاد؛ قيل: لا دلالة في الآية على ذلك، ولم تقم حجة بأن ذلك معني به ما قاله الضَّحّاك، فيُجعل إجماع الجميع على أن التسبيح عند القيام إلى الصلاة مما خُيّر المسلمون فيه دليلًا لنا على أنه أريد به الندب والإرشاد».