ورجَّح ابنُ جرير (٢٢/ ٧٨) -مستندًا إلى دلالة العموم- «قول من قال: وفّى جميع شرائع الإسلام، وجميع ما أُمر به من الطاعة». وعلَّل ذلك بقوله: «لأن الله -تعالى ذكره- أخبر عنه أنه وفّى، فعمَّ بالخبر عنه عن توفيته جميع الطاعة، ولم يَخْصُص بعضًا دون بعض». ونحوه ابنُ عطية (٨/ ١٢٥) مستندًا إلى القرآن، فقال بعد أن ذكر جُلَّ هذه الأقوال: «والأقوى من هذه كلّها القول العامُّ لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام، فرُوي أنها لم تُفرَض على أحد مُكَمَّلة فوفّاها إلا على إبراهيم ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن الحجة لذلك قوله تعالى: {وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: ١٢٤]». وذكر ابنُ كثير (١٣/ ٢٧٨) قول ابن جبير، وقتادة، في كونهما يفيدان العموم، ثم قال: «ويشهد له قوله تعالى: {وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا} [البقرة: ١٢٤]، فقام بجميع الأوامر، وترك جميع النواهي، وبلَّغ الرسالة على التمام والكمال، فاستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يُقتَدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله، قال الله تعالى: {ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا وما كانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٣]». وعلَّق ابنُ جرير (٢٢/ ٧٨ - ٧٩) على القول الرابع والخامس بقوله: «ولو صحّ الخبران اللذان ذكرناهما أو أحدهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وهما الحديث الوارد عن أبي أمامة، وحديث معاذ بن أنس] لم نَعْدُ القول به إلى غيره، ولكن في إسنادهما نظرٌ، يجب التثبُّت فيهما من أجله». وانتقد ابنُ جرير القول الأول -مستندًا إلى دلالة ظاهر اللفظ- قائلًا: «فإن قال قائل: فإنه قد خصَّ ذلك بقوله: {وفّى ألّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} فإنّ ذلك مما أخبر الله -جلَّ ثناؤه- أنه في صُحف موسى وإبراهيم، لا مما خصَّ به الخبر عن أنه وفّى، وأما التَّوْفية فإنها على العموم».