للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤٢١٠ - عن سفيان الثوري -من طريق أبي حُذيفة، عن أبيه- في قول الله سبحانه: {مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} قال: فاطمة وعلي بن أبي طالب، {يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ} قال: الحسن والحُسين (١). (ز)

٧٤٢١١ - عن سعيد بن جُبَير، مثله، وقال: {بَيْنَهُما بَرْزَخٌ} محمد - صلى الله عليه وسلم - (٢) [٦٣٧١]. (ز)


[٦٣٧١] في المراد بالبحرين أقوال: الأول: عني بهما: بحر السماء، وبحر الأرض. الثاني: عني بهما: بحر فارس، وبحر الروم. الثالث: عني بهما: فاطمة، وعلي.
ولم يذكر ابن جرير (٢٢/ ٢٠١) غير القولين الأولين، ثم رجّح الأول مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «وذلك أنّ الله قال {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}، واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قَطر ماء السماء، فمعلوم أنّ ذلك بحر الأرض وبحر السماء».
وذكر ابنُ كثير (١٣/ ٣١٨) ترجيح ابن جرير، وانتقده مستندًا إلى لفظ الآية، فقال: «قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولّد من ماء السماء، وأصداف بحر الأرض. وهذا وإن كان هكذا ليس المراد بذلك ما ذهب إليه، فإنه لا يساعده اللفظ؛ فإنه تعالى قد قال: {بينهما برزخ لا يبغيان} أي: وجعل بينهما برزخًا، وهو: الحاجز من الأرض؛ لئلا يبغي هذا على هذا، وهذا على هذا، فيُفسد كل واحد منهما الآخر، ويُزيله عن صفته التي هي مقصودة منه. وما بين السماء والأرض لا يُسمى برزخًا وحِجرًا محجورًا».
وقد ساق ابنُ تيمية (٦/ ١٧٠ - ١٧٢ بتصرف) القول الثالث عن سفيان الثوري، من طريق الثعلبي، وذكر أنّ الثعلبي ذكره بإسنادٍ رواته مجهولون لا يُعرفون عن سفيان الثوري، ثم ساق إسناد الثعلبي، وانتقده -مستندًا لضعف إسناده- بقوله: «وهذا الإسناد ظُلمات بعضها فوق بعض، لا يثبت بمثله شيء».
ثم انتقدالقول جملةً -مستندًا إلى أحوال النزول، واللغة، والنظائر، والدلالة العقلية، وإجماع المفسرين- من وجوهٍ: أحدها: أنّ سورة الرحمن مكّيّة بإجماع المسلمين، والحسن والحُسين إنما وُلدا بالمدينة. الثاني: أنّ تسمية هذين بحرين، وهذا لؤلؤًا، وهذا مرجانًا، وجعل النكاح مَرجًا؛ أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه، لا حقيقة ولا مجازًا، بل كما أنه كذبٌ على الله وعلى القرآن، فهو كذبٌ على اللغة. الثالث: أنّ الله ذكر أنه مَرج البحرين في آية أخرى، فقال في الفرقان: {وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} [الفرقان: ٥٣] فلو أُريد بذلك علي وفاطمة لكان ذلك ذمًّا لأحدهما، وهذا باطل بإجماع أهل السنة والشيعة. الرابع: أنه قال: {بينهما برزخ لا يبغيان} فلو أُريد بذلك عليّ وفاطمة؛ لكان البرزخ الذي هو النبي - صلى الله عليه وسلم - بزعمهم أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر. وهذا بالذّم أشبه منه بالمدح. الخامس: أنّ أئمة التفسير مُتّفقون على خلاف هذا، كما ذكره ابن جرير وغيره. فقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كلّ عام. وقال الحسن: {مَرَجَ البَحْرَيْنِ} يعني: بحر فارس والروم، {بَيْنَهُما بَرْزَخٌ}: هو الجزائر. وزاد ابنُ عطية (٨/ ١٦٦) قولين آخرين، أحدهما: عني بهما: بحر القلزم واليمن، وبحر الشام. ثانيهما: أنهما مطر السماء، وبحر الأرض. ثم رجّح أنّ المراد بالبحرين نوعي الماء: المالح والعَذب، فقال: «والظاهر عندي أنّ قوله تعالى: {البحرين} يريد بهما نوعي الماء: العَذب والأجاج». ولم يذكر مستندًا، وعلَّق عليه بقوله: «والعبرة في هذا التأويل منيرة».
ثم وجّه ابن عطية قوله: {يلتقيان} حسب هذه الأقوال، فوجّهه على قول مَن قال: المراد بهما: بحر فارس والروم. وقول مَن قال: المراد بهما: بحر القلزم واليمن وبحر الشام. فقال: «أما قوله: {يلتقيان} فعلى التأويلين الأولين معناه: هما مُعدّان للالتقاء، وحقّهما أن يلتقيا لولا البرزخ». ووجّهه على قول مَن قال: عني بهما بحر السماء وبحر الأرض. فقال: «وعلى القول الثالث أنهما يلتقيان كل سنة مرة». وانتقد قول مَن قال: إنه بحر يجتمع في السماء. قائلًا: «فمَن ذهب إلى أنه بحر يجتمع في السماء فهو قول ضعيف». غير أنه ذكر له وجْهًا ينتظم به مع قول مَن قال: إنهما مطر السماء وبحر الأرض، فقال: «وإنما يتوجه اللقاء فيه وفي القول الرابع بنزول المطر». ووجَّهه على القول بأنّ المراد بهما نوعي الماء: المالح والعذب بقوله: «وفي القول الخامس بالأنهار في البحر، وبالعيون قرب البحر».

<<  <  ج: ص:  >  >>