ورَجَّح ابنُ جرير (٢/ ٧٢٤ - ٧٢٧) القول الأول الذي قال به عائشة، ومالك، والشافعي، مُسْتَنِدًا إلى السنة، والإجماع، والقياس، بما مفاده الآتي: ١ - تظاهر الأخبار، وإجماع الجميع على طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وأنّ ذلك مِمّا عَلَّمه لأمته. ٢ - أنه كالطواف بالبيت، لا تجزي منه فدية، ولا بدل، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه؛ إذ كانا كلاهما طوافين. وبنحوه عند ابن كثير (٢/ ١٣٥) وابن تيمية (١/ ٣٨٥ - ٣٨٩ بتصرف) استنادًا إلى دلالة العقل، والسنة، وأقوال السلف، حيث قال: «وأما من قال: إنها واجبة -في الجملة- وهو الذي عليه جمهور أصحابنا، فإن الله قال: هما: {من شعائر الله} وكل ما كان من شعائر الله فلا بد من نسك واجب بهما كسائر الشعائر من عرفة، ومزدلفة، ومنى، والبيت، فلا يجوز أن يجعل المكان شعيرة لله وعلما له، ويكون الخلق مخيرين بين قصده، والإعراض عنه؛ لأن الإعراض عنه مخالف لتعظيمه، وتعظيم الشعائر واجب لقول الله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: ٣٢] والتقوى واجبة على الخلق، وقد أمر الله بها، ووصى بها في غير موضع، وذم من لا يتقي الله، ومن استغنى عن تقواه توعده، وإذا كان الطواف بهما تعظيمًا لهما، وتعظيمهما من تقوى القلوب، والتقوى واجبة، كان الطواف بهما واجبًا، وفي ترك الوقوف بهما ترك لتعظيمهما. وأيضًا: فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في عمرته، وفي حجته، والمسلمون معه بين الصفا والمروة، وقال: «لِتأخذوا عَنِّي مناسككم». والطواف بينهما من أكبر المناسك، وأكثرها عملًا، وخرج ذلك منه مخرج الامتثال لأمر الله بالحج في قوله: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: ٩٧]، وفي قوله: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: ١٩٦]، ومخرج التفسير والبيان لمعنى هذا الأمر، فكان فعله هذا على الوجوب، ولا يخرج عن ذلك إلا هيئات في المناسك وتتمات، وأما جنس تام من المناسك، ومشعر من المشاعر يقتطع عن هذه القاعدة، فلا يجوز أصلًا، وبهذا احتجَّ أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».