للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول: فما أطاعوني فيها، ولا أحسنوا حين تهوّدوا وتنصّروا. وأقام أناس منهم على دين عيسى - عليه السلام - حتى أدركوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فآمنوا به، وهم أربعون رجلًا؛ اثنان وثلاثون رجلًا من أرض الحبشة، وثمانية من أرض الشام، فهم الذين كنى الله عنهم، فقال: {فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهُمْ} (١). (ز)

٧٥٧٦٩ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- {ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ}، قال: فلِم؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تطوّعًا، فما رعَوها حقّ رعايتها (٢) [٦٥١١]. (ز)

٧٥٧٧٠ - عن يحيى بن سلّام -من طريق أحمد- في قوله: {رأفةً ورحمةً} قال: ثم استأنف الكلام، فقال: {ورهبانية ابتدعوها} لم يكتبها اللهُ عليهم، ولكن ابتدعوها ليتقرّبوا بها إلى الله - عز وجل -. قال يحيى: ففرضها اللهُ عليهم (٣) [٦٥١٢]. (ز)


[٦٥١١] انتقد ابن تيمية (٦/ ٢٣٤) ما أفاده هذا القول من أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم إتمامها مستندًا لظاهر الآية، والدلالة العقلية، فقال: «وليس في الآية ما يدلُّ على ذلك، فإنه قال: {ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها}، فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرّهبانيّة ولا إتمامها ولا رعايتها، بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة، وأنّ تلك البدعة لم يَرْعَوها حقّ رعايتها. فإن قيل: قوله تعالى: {فما رعوها حق رعايتها} يدلّ على أنهم لو رَعَوها حقّ رعايتها لكانوا ممدوحين. قيل: ليس في الكلام ما يدلّ على ذلك، بل يدلّ على أنهم -مع عدم الرعاية- يستحقّون من الذّم ما لا يستحقّونه بدون ذلك، فيكون ذمّ من ابتدع البدعة ولم يَرعَها حقّ رعايتها أعظم من ذمّ مَن رعاها، وإن لم يكن واحد منهما محمودًا، بل مذمومًا، مثل: نصارى بني تغلب ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها، بل أخذوا منها ما وافق أهواءهم، فكان كفرهم وذمّهم أغلظ مِمّن هو أقلُّ شرًّا منهم، والنار دركات، كما أنّ الجنة درجات».
[٦٥١٢] اختُلف في الذين لم يرعَوا الرّهبانيّة حقّ رعايتها على قولين: الأول: أنهم هم الذين ابتدعوها. الثاني: أنهم الذين اتّبعوا مبتدعي الرّهبانيّة في رهبانيتهم.
وعلَّق ابنُ عطية (٨/ ٢٤٠) على القول الأول الذي قاله ابن عباس، من طريق العَوفيّ، والضَّحّاك، وأبو أمامة الباهلي، وابن زيد، بقوله: «والكلام سائغ، وإن كان فيهم من رعى، أي: لم يرعوها بأجمعهم، وفي هذا التأويل لزوم الإتمام لكل من بدأ بتنفل وتطوع، وأنه يلزمه أن يرعاه حقّ رعايته».
ورجَّح ابنُ جرير (٢٢/ ٤٣٣) -مستندًا إلى السياق- القول الأول، فقال: «وذلك أنّ الله -جلّ ثناؤه- أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أنّ منهم مَن قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم مَن كان كذلك لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال -جل ثناؤه-: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم}». ثم قال بجواز دخول القولين تحت عموم الآية، فقال: «إلا أنّ الذين لم يرعَوها حقّ رعايتها ممكن أن يكون كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم؛ لأنّ الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعَوها، فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يَرْعها القوم على العموم، والمراد منهم البعض الحاضر».

<<  <  ج: ص:  >  >>