للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الناسَ بالجهاد وعَسكَرَ، وكتب حاطِب بن أبي بَلْتَعة إلى أهل مكة: إنّ محمدًا قد عَسكَر، وما أراه إلا يريدكم؛ فخذوا حِذركم. وأَرسَل بالكتاب مع سارة مولاة أبي عمرو بن صيفيّ بن هاشم، وكانت قد جاءتْ من مكة إلى المدينة، فأعطاها حاطِب بن أبي بَلْتَعة عشرة دنانير على أن تُبلغ كتابه أهل مكة، وجاء جبريل، فأَخبَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بأمْر الكتاب وأمْر حاطِب، فبَعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب - عليه السلام -، والزّبير بن العوام، وقال لهما: «إنْ أعطتْكما الكتابَ عفوًا خلِّيا سبيلها، وإنْ أبتْ فاضربا عُنُقها». فسارا حتى أدَركاها بالجُحْفةِ، وسألاها عن الكتاب، فحَلفَت: ما معها كتاب. وقالت: لَأنا إلى خيركم أفقر مِنِّي إلى غير ذلك. فابتَحَثاها، فلم يجدا معها شيئًا، فقال الزّبير لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -: ارجع بنا، فإنّا لا نرى معها شيئًا. فقال علي: واللهِ، لأضربنّ عُنُقها، واللهِ، ما كَذَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كذبنا. فقال الزّبير: صدقتَ، اضرب عُنُقها. فسلَّ علِيٌّ سيفه، فلما عرفت الجِدّ منهما أخذتْ عليهما المواثيق: لئن أعطيتُكما الكتاب لا تقتلاني، ولا تَسبِياني، ولا تَرُدّاني إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولتُخلّيان سبيلي. فأَعطَياها المواثيق، فاستَخرجت الصّحيفة مِن ذؤابتها، ودَفعتْها، فخلَّيا سبيلها، وأقْبَلا بالصّحيفة فوضَعاها في يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأها، فأرسَل إلى حاطِب بن أبي بَلْتَعة، فقال له: «أتعرف هذا الكتاب؟». قال: نعم. قال: «فما حمَلك على أن تُنذر بنا عدوَّنا؟». قال حاطِب: اعفُ عنِّي، عفا الله عنك، فوالذي أنزل عليك الكتاب، ما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا كذبتُك منذ صدّقتك، ولا أبغضتُك منذ أحببتُك، ولا واليتُهم منذ عاديتُهم، وقد علمتُ أنّ كتابي لا ينفعهم ولا يضرّك، فاعذرني، جعلني الله فداك؛ فإنه ليس من أصحابك أحدٌ إلا وله بمكة مَن يَمنع ماله وعشيرته غيري، وكنتُ حليفًا ولست من أنفُس القوم، وكان حُلفائي قد هاجروا كلّهم، وكنتُ كثير المال والضّيعة بمكة، فخِفتُ المشركين على مالي، فكتبتُ إليهم لأتوسّل إليهم بها، وأَتّخذها عندهم مَودّة لأدفع عن مالي، وقد علمتُ أنّ الله مُنزل بهم خِزيه ونِقمته، وليس كتابي يُغني عنهم شيئًا. فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد صَدق فيما قال، فأنزل الله تعالى عِظَةً للمؤمنين أن يعودوا لِمِثل صَنيع حاطِب بن أبي بَلْتَعة، فقال تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ} ... وفي حاطِب نَزَلَتْ هذه الآية: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ} إلى آخر الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>