للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَأْمَنُوكُمْ ويَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ ما رُدُّوا إلى الفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ويُلْقُوا إلَيْكُمُ السَّلَمَ ويَكُفُّوا أيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأُولَئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانًا مُبِينًا} [النساء: ٩١]، وقال في سورة الممتحنة: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِن دِيارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}، ثم قال فيها: {إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وأَخْرَجُوكُمْ مِن دِيارِكُمْ وظاهَرُوا عَلى إخْراجِكُمْ أنْ تَوَلَّوْهُمْ ومَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ}، فنَسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ واعْلَمُوا أنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكافِرِينَ} [التوبة: ١ - ٢]، فجَعل لهم أجلًا أربعة أشهر يَسيحون فيها، وأَبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فَإذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥]، ثم نسخ واستثنى: {فَإنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٥]، وقال: {وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] (١). (ز)

٧٦٤٩١ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ} الآية، فقال: هذا قد نُسخ، نَسَخه القتال، أُمروا أن يَرجعوا إليهم بالسيوف، ويُجاهدوهم بها، يضربونهم، وضَرب الله لهم أجل أربعة أشهر؛ إمّا المُذابحة، وإمّا الإسلام (٢) [٦٥٧٣]. (ز)


[٦٥٧٣] اختُلِف في الذين عُنُوا بهذه الآية، واختُلِف أيضًا في نسخها، على أقوال لخَّصَها ابنُ عطية (٨/ ٢٨٢ بتصرف)، فقال: «اختلف الناس في هؤلاء الذين لم يُنْهَ عنهم أن يُبَرُّوا مَن هم؟ فقال مجاهد: هم المؤمنون من أهل مكة الذين آمنوا ولم يُهاجروا، وكانوا لذلك في رتبة سُوء لترْكهم فرض الهجرة. وقال آخرون: أراد المؤمنين التاركين للهجرة كانوا من أهل مكة ومن غيرها. وقال الحسن، وأبو صالح: أراد خُزاعة، وبني الحارث بن كعب، وقبائل من العرب كفار، إلا أنهم كانوا مُظاهرين للنبي - صلى الله عليه وسلم - مُحبّين فيه وفي ظهوره، ومنهم كنانة، وبنو الحارث بن عبد مناة، ومُزينة. وقال قوم: أراد مِن كفار قريش مَن لم يُقاتل، ولا أخرج، ولا أظهر سوءًا. وعلى هذين القولين فالآية منسوخة بالقتال. وقال عبد الله بن الزبير: أراد النساء، والصبيان مِن الكفرة. وقال: إن الآية نَزَلَتْ بسبب أُمّ أسماء حين استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في بِرّها وصِلتها فأذِن لها. وقال أبو جعفر بن النحاس، والثعلبي: أراد المستضعفين مِن المؤمنين الذين لم يستطيعوا الهجرة. وهذا قول ضعيف. وقال مُرَّة الهمداني، وعطية العَوفيّ: نَزَلَتْ في قوم من بني هاشم، منهم العبّاس?. وقال قتادة: نسخَتْها: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: ٥]».
وذَهَبَ ابنُ جرير (٢٢/ ٥٧٤) إلى العموم في الآية، وانتقد القول بالنسخ فيها -استنادًا إلى عموم لفظ الآية، وأقوال السلف-، فقال: «أولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: عُني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين مِن جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتَصِلوهم، وتُقْسِطوا إليهم. إنّ الله - عز وجل - عمَّ بقوله: {الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم} جميع مَن كان ذلك صفته، فلم يَخْصُص به بعضًا دون بعض». ثم قال: «ولا معنى لقول مَن قال: ذلك منسوخ. لأنّ برَّ المؤمنِ مِن أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ محرَّم، ولا مَنهي عنه، إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورةٍ لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكُراعٍ أو سلاح. وقد بيَّن صحةَ ما قلنا في ذلك الخبرُ الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأُمّها».

<<  <  ج: ص:  >  >>