ورَجَّح ابنُ تيمية (١/ ٣٩٤) مُسْتَنِدًا إلى القرآن القولَ الثاني بمفاده الآتي: أنهم إنما ذُمّوا بأن أشركوا بين الله وبين أندادهم في المحبة، ولم يُخْلِصوها لله كمحبة المؤمنين له، وهذه التسوية المذكورة في قوله تعالى حكاية عنهم: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]، ومعلومٌ أنَّهم لم يُسَوُّوهم برب العالمين في الخلق والربوبية، وإنما سَوُّوهُم به في المحبة والتعظيم. وانتَقَدَ ابنُ تيمية (١/ ٣٩٥ - ٣٩٦) القولَ الأول مُسْتَنِدًا لمخالفته الدلالات العقلية، فقال: «والأول قولٌ متناقضٌ، وهو باطلٌ؛ فإن المشركين لا يُحِبُّون الأنداد مثل محبة المؤمنين لله، فالمحبة تستلزم الإرادة، والإرادة التامة مع القدرة تستلزم الفعل، فيمتنع أن يكون الإنسان محبًّا لله ورسوله، مريدًا لِما يُحِبُّه الله ورسوله إرادةً جازمةً مع قدرته على ذلك وهو لا يفعله، فإذا لم يتكلم الإنسان بالإيمان مع قدرته دَلَّ على أنه ليس في قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه». ووجَّهَهُ ابنُ جرير (٣/ ١٨ بتصرف)، فقال: «فإن قال قائِلٌ: وهل كان مُتَّخِذُو الأندادِ يُحِبُّون اللهَ؛ فيُقال: يحبونهم كحب الله؟ قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، وإنما نظيرُ ذلك قولُ القائل: بعت غلامي كبيع غلامك. بمعنى: بعته كما بيع غلامك وكبيعك غلامك، واستوفيت حقي منه استيفاء حقك، بمعنى: استيفائك حقك. فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب اكتفاء بكنايته في الغلام والحق. فمعنى الكلام إذًا: ومِن الناس مَن يتخذ -أيها المؤمنون- من دون الله أندادًا يحبونهم كحُبِّكُم اللهَ».