للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٦٦٥٨ - عن محمد بن السّائِب الكلبي -من طريق معمر- {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ}: يعني: اليهود والنصارى، يقول: قد يئسوا من ثواب الآخرة وكرامتها، كما يئس الكفار الذين قد ماتوا -فهم في القبور- مِن الجنة حين رأوا مقعدهم من النار (١). (ز)

٧٦٦٥٩ - قال مقاتل بن سليمان: {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ} يعني: اليهود {كَما يَئِسَ الكُفّارُ مِن أصْحابِ القُبُورِ} وذلك أنّ الكافر إذا دخل قبره أتاه مَلَكٌ شديد الانتهار، فأجلسه، ثم يسأله: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن رسولك؟ فيقول: لا أدري. فيقول المَلك: أبعدك الله، انظر -يا عدوّ الله- إلى منزلك من النار. فينظر إليها، ويدعو بالويل، ويقول له المَلك: هذا لك، يا عدوّ الله، فلو كنتَ آمنتَ بربّك لدخلتَ الجنة. ثم فينظر إليها، فيقول: لِمَن هذا؟ فيقول له المَلك: هذا لِمَن آمن بالله. فيكون حسرة عليه، وينقطع رجاؤه منها، ويعلم عند ذلك أنه لا حظّ له فيها، وييأس من خير الجنة، فذلك قوله لكفار أهل الدنيا الأحياء منهم: قد يئسوا من نعيم الآخرة بأنهم كذّبوا بالثواب والعقاب، وهم أيضًا آيسون من الجنة كما أيس هذا الكافر مِن أصحاب القبور حين عاينوا منازلهم من النار في الآخرة (٢). (ز)

٧٦٦٦٠ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قول الله: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية، قال: قد يئس هؤلاء الكفار مِن أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار الذين ماتوا -الذين في القبور- من أن تكون لهم آخرة؛ لِما عاينوا من أمر الآخرة، فكما يئس أولئك الكفار كذلك يئس هؤلاء الكفار. قال: والقوم الذين غضب الله عليهم يهود، هم الذين يئسوا من أن تكون لهم آخرة، كما يئس الكفار قبلهم من أصحاب القبور؛ لأنهم قد علِموا كتاب الله، وأقاموا على الكفر به. وما صنعوا وقد علِموا؟! (٣) [٦٥٩٣]. (ز)


[٦٥٩٣] قال ابنُ عطية (٨/ ٢٨٩ - ٢٩٠) تعليقًا على القولين المختلفين في الآية: «مَن قال: إنّ القومَ المشارَ إليهم: هم كفار مكة. قال: معنى قوله: {كما يئس الكفار} كما يئس الكافر من صاحب قبر؛ لأنه إذا مات له حميم قال: هذا آخر العهد به، لن يُبعث أبدًا. فمعنى الآية: أن اعتقاد أهل مكة في الآخرة كاعتقاد الكافر في البعث ولقاء موتاه. وهذا هو تأويل ابن عباس، والحسن، وقتادة في معنى قوله تعالى: {كما يئس الكفار}، ومَن قال: إنّ القوم المشار إليهم: هم اليهود. قال: معنى قوله: {كما يئس الكفار} أي: كما يئس الكافر من الرحمة إذا مات، وكان صاحب قبر، وذلك أنه يُروى أنّ الكافر إذا كان في قبره عُرض عليه مقعده في الجنة أن لو كان مؤمنًا، ثم يُعرض عليه مقعده من النار الذي يصير إليه، فهو يائس من رحمة الله مع علمه بها ويقينه. وهذا تأويل مجاهد، وابن جبير، وابن زيد في قوله: {كما يئس الكفار} فمعنى الآية: أن يأس اليهود من رحمة الله في الآخرة مع علمهم بها كيأس ذلك الكافر في قبره، وذلك لأنهم قد رِين على قلوبهم، وحملهم الحسد على ترْك الإيمان، وغلب على ظنونهم أنهم معذَّبون، وهذه كانت صفة كثير من معاصري النبي - صلى الله عليه وسلم -. و {مِن} في قوله: {مِن أصحاب} على القول الأول هي لابتداء الغاية، وفي القول الثاني هي لبيان الجنس والتبعيض يتوجَّهان فيها، وبيان الجنس أظهر». ولم يذكر مستندًا.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٢٢/ ٦٠٥) القولَ الثاني استنادًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «أولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول مَن قال: قد يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم مِن اليهود مِن ثواب الله لهم في الآخرة وكرامته؛ لكفرهم وتكذيبهم رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على علمٍ منهم بأنه لله نبي، كما يئس الكفار منهم الذين مضوا قبلهم فهلكوا، فصاروا أصحاب القبور، وهم على مثل الذي هؤلاء عليه، مِن تكذيبهم عيسى -صلوات الله عليه- وغيره من الرسل، من ثواب الله وكرامته إياهم. وإنما قلنا: ذلك أولى القولين بتأويل الآية. لأنّ الأموات قد يئسوا من رجوعهم إلى الدنيا، أو أن يُبعثوا قبل قيام الساعة المؤمنون والكفار، فلا وجهَ لأن يخصّ بذلك الخبر عن الكفار، وقد شركهم في الإياس من ذلك المؤمنون».

<<  <  ج: ص:  >  >>