قال: قالت له قريش: يا أبا حُباب، إنّا قد مَنعنا محمدًا طواف هذا البيت، ولكنا نأذن لك. فقال: لا، لي في رسول الله أسوة حسنة. قال: فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف، ثم قال لوالده: أنت تزعم لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ! واللهِ، لا تَدخلها حتى يَأذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١). (١٤/ ٥٠٤)
٧٧٠٢٤ - عن محمد بن سيرين: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مُعسكِرًا، وأنّ رجلًا من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام، حتى اشتدّ الأمر بينهما، فبلغ ذلك عبد الله بن أُبيّ، فخرج فنادى: غَلبني على قومي مَن لا قوم له. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فأخذ سيفه، ثم خرج عامدًا ليضربه، فذكر هذه الآية:{يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ}[الحجرات: ١]، فرجع حتى دخل على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:«مالك، يا عمر؟». قال: العَجب مِن ذلك المنافق! يقول: غَلبني على قومي مَن لا قوم له، واللهِ، لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قم، فنادِ في الناس يَرتحلوا». فتفرّق القوم، فخرج عمر، فنادى: يا أيها الناس، إنّ رسول الله مُرتحِل؛ فارتَحِلوا. فساروا، حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة تعجّل عبدُ الله بن عبد الله بن أُبيّ، حتى أناخ بجامع طرق المدينة، ودخل الناس، حتى جاء أبوه عبد الله بن أُبيّ، فقال: وراءك. فقال: مالك، ويلك؟! قال: واللهِ، لا تَدخلها أبدًا إلا أن يَأذن رسول الله، ولتَعلمنّ اليوم مَن الأَعزّ من الأَذلّ. فرجع حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشكا إليه ما صنع ابنه، فأَرسَل إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ خَلِّ عنه حتى يَدخل، ففعل، فلم يلبثوا إلا أيامًا قلائل حتى اشتكي عبد الله، فاشتدّ وجعُه، فقال لابنه عبد الله: يا بني، ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فادْعُه، فإنك إذ أنتَ طلبتَ ذلك إليه فعل. ففعل ابنه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إنّ عبد الله بن أُبيّ شديد الوجع، وقد طلب إلَيّ أنْ آتيك فتأتيه؛ فإنه قد اشتاق إلى لقائك. فأخذ نعليه، فقام، وقام معه نفرٌ من أصحابه حتى دَخلوا عليه، فقال لأهله حين دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أجلِسوني. فأَجلَسوه، فبكى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أجزعًا -يا عدوّ الله- الآن؟!». فقال: يا رسول الله، إني لم أدْعُك لتُؤنّبني، ولكن دَعوْتُك لترحمني. فاغرورقتْ عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:«ما حاجتك؟». قال: حاجتي إذا أنا مِتّ أن تشهد غُسلي، وتُكفّني في ثلاثة أثواب مِن أثوابك، وتمشي مع جنازتي، وتُصلّي علي. ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فنَزلت هذه الآية بعد: {ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُمْ ماتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى