[٦٠٩] اختلف في تفسير {ما}؛ فقال قوم: استفهام، والمعنى: أيُّ شيء صبّرهم على النار؟!. وقال آخرون: هو تعجب، بمعنى: فما أشدّ جراءتهم على النار لعملهم أعمال أهل النار. ورَجَّح ابن جرير (٣/ ٧١) مُسْتَنِدًا إلى اللغة القولَ الثانيَ الذي قاله قتادة، والحسن، والربيع، وابن جبير، ومجاهد، فقال: «وذلك أنه مسموع من العرب: ما أصبر فلانًا على الله، بمعنى: ما أجْرَأ فلانًا على الله، وإنما يُعجِّب اللهُ -جل ثناؤه- خلقَه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله -تبارك وتعالى- من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ونبوته، باشترائهم بكتمان ذلك ثمنًا قليلًا من السُّحْت والرُّشا التي أُعْطُوها، على وجه التَّعَجُّب من تَقَدُّمِهِم على ذلك، مع علمهم بأنّ ذلك موجبٌ لهم سخطَ الله وأليمَ عقابه. وإنما معنى ذلك: فما أجرأهم على عذاب النار. ولكن اجْتُزِئ بذكر النار من ذكر عذابها، كما يُقال: ما أشبه سخاءك بحاتم، بمعنى: ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم، وما أشبه شجاعتك بعنترة». وكذا رجَّحه ابنُ عطية (١/ ٤١٨). ووجَّهه ابنُ جرير (٣/ ٧٠) فقال: «فمَن قال: هو تعجُّبٌ. وجّه تأويل الكلام إلى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أشد جرأتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النار، كما قال -تعالى ذكره-: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: ١٧] تعجبًا من كفره بالذي خلقه وسوّى خلقه». وبنحوه قال ابنُ عطية (١/ ٤١٨).