ووجَّه ابنُ جرير (٢٣/ ٣٤٣) القول الأول بقوله: «ومَن قال هذا القول جعل قوله: {وأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ} مما أُوحِيَ إلى النبي، فيكونُ معناه: قل أوحِيَ إليَّ أنه استمع نَفَرٌ من الجن، وأنه لَمّا قام عبد الله يدعوه». ووجَّه (٢٣/ ٣٤٤) القول الثاني بقوله: «ومَن قال هذا القول الذي ذكرناه ... يفتَحُ الألف من قوله: {وأَنَّهُ} عطف بها على قوله: {وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا} [الجن: ٣] مفتوحةً، وجاز له كسْرُها على الابتداء». ووجَّه (٢٣/ ٣٤٥) القول الثالث بقوله: «ومَن قال هذا القول فتحَ الألف من قوله: {وأَنَّهُ}». ورجَّح ابنُ جرير (٢٣/ ٣٤٥) -مستندًا إلى السياق، ودلالة العقل- القول الثالث، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير من طريق رجل، ومجاهد، وابن زيد، وعلَّل ذلك بقوله: «لأن قوله: {وأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ} عقيب قوله: {وأَنَّ المَساجِدَ للهِ} وذلك من الله -جلَّ وعزَّ- خبرٌ، فكذلك قوله: {وأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ}. وأخرى أنه -تعالى ذِكْرُه- أتْبَع بذلك قوله: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أحَدًا}، فمعلومٌ أن الذي يَتْبَع ذلك الخبر عمّا لقيَ المأمورُ بأن لا يدعوَ مع الله أحدًا في ذلك، لا الخبرُ عن كثرة إجابة المدعُوِّين وسرعتهم إلى الإجابة». وكذا ابنُ كثير (١٤/ ١٥٦) مستندًا إلى السياق، فقال: «وهو الأظهر؛ لقوله بعده: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا}، أي: قال لهم الرسول لَمّا آذَوه وخالفوه وكذّبوه وتَظاهروا عليه، ليُبطلوا ما جاء به من الحق، واجتمعوا على عداوته: {إنَّما أدْعُو رَبِّي} أي: إنما أعبد ربي وحده لا شريك له، وأستجير به وأتوكل عليه، {ولا أُشْرِكُ بِهِ أحَدًا}». وذكر ابنُ عطية (٨/ ٤٣٦) أنه إن «قدّرنا الضمير -في لفظة {كادُوا} - للجن فبتقصفهم عليه لاستماع الذكر. وهذا تأويل ابن عباس، والضحاك. وإن قدرناه للكفار فبتمالئهم عليه وإقبالهم على أمْره بالتكذيب والرد. وهذا تأويل الحسن، وقتادة». ونقل ابنُ عطية (٨/ ٤٣٥) عن قوم أنّ «العبد»: «هو نوح - عليه السلام -، والضمير في {كادُوا} لكفار قومه». ثم انتقده قائلًا: «ولا يتَّجه أن يكون العبدُ نوحًا - عليه السلام - إلا على تحاملٍ في تأويل نَسَق الآية».