وبنحوه قال ابنُ القيم (٣/ ٢٢٦). ثم ساق ابنُ عطية هذا القول بأنّ المراد: جعل بَنان الإنسان في هذه الحياة بُضعة أو عظمًا واحدًا كخُفّ البعير لا تفاريق فيه. وعلَّق عليه بقوله: «فكأن المعنى: قادرين الآن في الدنيا على أن نَجعلها دون تفرّق، فتقِلّ منفعته بيده، فكأن التقدير: بلى نحن أهلٌ أن نجمعها، قادرين الآن على إزالة منفعته بيده، ففي هذا توعّد ما». وعلَّق ابنُ القيم (٣/ ٢٢٦) على هذا القول بقوله: «والمعنى على هذا القول: إنّا في الدنيا قادرون على أن نَجعل عظام بَنانه مجموعة دون تفرّق، فكيف لا نقدر على جمْعها بعد تفريقها، فهذا وجه من الاستدلال غير الأول، وهو الاستدلال بقدرته سبحانه على جمْع العظام بعد تفريقها». ورجح ابنُ عطية -مستندًا إلى السياق- أنّ المراد بالجمع في الآخرة، فقال: «والقول الأول أجرى مع رصف الكلام». ثم قال: «ولكن على هذا القول الآخر [أي: تسوية البنان في الدنيا] جمهور العلماء». وعلَّق ابنُ القيم (٣/ ٢٢٧) على القولين بقوله: «وهما وجهان حسنان، وكلّ منهما له ترجيح من وجه؛ فيرجّح الأول أنه هو المقصود، وهو الذي أنكره الكفار، وهو إجراء على نسق الكلام واطراده، ولأنّ الكلام لم يُسَق لجمْع العظام وتفريقها في الدنيا، وإنما سيق لجمْعها في الآخرة بعد تفرّقها بالموت. ويرجّح القول الثاني -ولعله قول جمهور المفسرين-، حتى إنّ فيهم من لم يذكر غيره، وأنه استدلال بآية ظاهرة مشهورة، وهي تفريق البنان مع انتظامها في كفّ واحد وارتباط بعضها ببعض فهي متفرّقة في عضو واحد، يَقبض منها واحدة ويَبسط أخرى ويُحرّك واحدة والأخرى ساكنة، ويَعمل بواحدة والأخرى مُعطّلة، وكلّها في كفّ واحد، قد جمَعها ساعد واحد، فلو شاء سبحانه لسَوّاها فجعلها صفة واحدة كباطن الكفّ، ففاتَه هذه المنافع والمصالح التي حَصلتْ بتفريقها، ففي هذا أعظم الأدلة على قدرته سبحانه على جمْع عظامه بعد الموت».