وذَهَبَ ابنُ جرير (٢٣/ ٥٧٣) إلى العموم، فقال: «الصواب من القول في ذلك عندنا أن يُقال: إنّ الله -تعالى ذِكْره- أقسم بالمرسلات عُرْفًا، وقد تُرسل عُرفًا الملائكة، وتُرسَل كذلك الرياح، ولا دلالة تدل على أنّ المعنيّ بذلك أحد الجنسين دون الآخر، وقد عمّ -جلّ ثناؤه- بإقسامه بكلّ ما كانت صفته ما وصف، فكلّ مَن كان صفته كذلك، فداخلٌ في قسَمه ذلك، مَلكًا أو ريحًا أو رسولًا من بني آدم مرسلًا». وذَهَبَ ابنُ كثير (١٤/ ٢٢٠) إلى القول الثالث استنادًا إلى النظائر، فقال: «الأظهر أنّ المرسلات هي الرياح كما قال تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: ٢٢]، وقال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} [الأعراف: ٥٧]». وانتقد ابنُ القيم (٣/ ٢٤٣) القول الثاني لمخالفته النظائر، والسياق، والأفصح لغة، فقال: «الإرسال المُقسم به هاهنا مُقيّد بالعُرف؛ فإما أن يكون ضد المنكر فهو إرسال رُسله من الملائكة، ولا يَدخل في ذلك إرسال الرياح ولا الصواعق ولا الشياطين، وأما إرسال الأنبياء فلو أُريد لقال:» والمرسلين «، وليس بالفصيح تسمية الأنبياء» مرسلات «، وتكلّف الجماعات المرسلات خلاف المعهود من استعمال اللفظ، فلم يُطلق في القرآن جمع ذلك إلا جمع تذكير لا جمع تأنيث، وأيضًا فاقتران اللفظة بما بعدها من الأقسام لا يناسب تفسيرها بالأنبياء، وأيضًا فإنّ الرُّسُل مُقسمٌ عليهم في القرآن لا مُقسمٌ بهم، كقوله: {تاللَّهِ لَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ} [النحل: ٦٣]، وقوله: {وإنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ} [البقرة: ٢٥٢]، وقوله: {يس والقُرْآنِ الحَكِيمِ إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ} [يس: ١ - ٣]». وذكر ابنُ عطية (٨/ ٥٠٢) احتمالين آخرين في معنى: {عُرْفًا} على القول بأنّ {والمرسلات}: الرياح: الأول: «أن يكون {عُرْفًا} بمعنى: {والمرسلات} الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها، ثم عقَّب بذكر الصنف المستنكر الضارِّ وهي العاصفات». والثاني: «أن يريد بالعُرف مع الرياح: التتابع كعُرف الفرس ونحوه، وتقول العرب: هبَّ عُرف من ريح». وعلَّق بقوله: «والقول في العُرف مع أنّ المُرْسَلات هي الرياح يطَّرد على أنّ المُرْسَلاتِ هي السحاب».