للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحق والباطل (١) [٦٩٥٩]. (ز)


[٦٩٥٩] اختُلِف في تأويل قوله تعالى: {فالفارِقاتِ فَرْقًا} على أربعة أقوال: الأول: أنها الملائكة التي تُفرّق بين الحق والباطل. والثاني: أنها الرُّسُل الذين يُفرّقون بين الحلال والحرام. والثالث: أنها الرياح. والرابع: أنّ المقصود: القرآن.
وذَهَبَ ابنُ جرير (٢٣/ ٥٨٨) إلى العموم، فقال: «الصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم ربُّنا -جلّ ثناؤه- بالفارقات، وهي الفاصِلات بين الحق والباطل، ولم يخْصُص بذلك منهنَّ بعضًا دون بعض، فذلك قَسَمٌ بكل فارقةٍ بين الحق والباطل؛ مَلكًا كان أو قرآنًا أو غير ذلك».
وذَهَبَ ابنُ كثير (١٤/ ٢٢١) إلى القول الأول، فقال: «قوله تعالى: {فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا}، يعني: الملائكة. قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد، وقتادة، والربيع بن أنس، والسُّدِّيّ، والثوري، ولا خلاف هاهنا؛ فإنها تَنزل بأمر الله على الرُّسُل تُفرّق بين الحق والباطل، والهُدى والغي، والحلال والحرام، وتُلقي إلى الرسل وحيًا فيه إعذار إلى الخَلْق، وإنذار لهم عقاب الله إنْ خالفوا أمره». ولم يذكر مستندًا.
وذكر ابنُ القيم (٣/ ٢٤٥) أنّ أكثر المفسرين على أنها الملائكة؛ ويدل عليه عطف المُلْقيات ذكرًا عليها بالفاء، وهي الملائكة بالاتفاق، وعلى هذا فيكون القَسم بالملائكة التي تَنشُر أجنحتها عند النزول، ففَرّقتْ بين الحق والباطل، فأَلقَت الذِّكر على الرسل إعذارًا وإنذارًا. ثم انتقد القول الثالث لدلالة السياق، فقال: «ومَن جعل النّاشِرات الرياح جعل الفارقات صفة لها، وقال: هي تُفرّق السحاب ههنا وههنا، ولكن يأبى ذلك عطف المُلْقِيات بالفاء عليها». وعلق على القول الثاني بقوله: «ومَن قال: هي جماعات الرُّسُل، فإنْ أراد الرُّسُل من الملائكة فظاهر، وإنْ أراد الرُّسُل من البشر فقد تقدم بيان ضعف هذا القول». وعلق على القول الرابع بقوله: «مَن قال: الفارقات: أي: القرآن يُفرّق بين الحق والباطل، فقوله يلتئم مع كون النّاشِرات الملائكة أكثر من التئامه إذا قيل: إنها الرياح».
وقال ابنُ القيم (٣/ ٢٤٥): «ويظهر -والله أعلم بما أراد من كلامه- أنّ القَسم في هذه الآية وقع على النوعين؛ الرياح والملائكة، ووجه المناسبة: أنّ حياة الأرض والنبات وأبدان الحيوان بالرياح فإنها من روح الله، وقد جعلها الله تعالى نشورًا، وحياة القلوب والأرواح بالملائكة، فبهَذيْن النوعين يحصل نوعا الحياة، ولهذا -والله أعلم- فَصل أحد النوعين من الآخر بالواو، وجعل ما هو تابع لكل نوع بعده بالفاء».

<<  <  ج: ص:  >  >>