وقد ذكر ابنُ عطية (٥/ ٤٢٤) قراءة تقوي القول الأول، فقال: «وقرأ ابن الزُّبير، وابن عباس، والفضل بن عباس، وقتادة، وعكرمة: (وأَنزَلْنا بِالمُعْصِراتِ)، فهذا يقوي أنه أراد الرياح». ووجّه ابنُ عطية (٨/ ٥١٤ - ٥١٥) تفسير المعصرات بالسحاب بأنه: "مأخوذ من العَصر؛ لأنّ السحاب يَنعصر فيخرج منه الماء، وهذا قول الجمهور، وبه فسّر الحسن بن محمد العنبري القاضي بيت حسان: كلتاهما حَلَب العصير وقال بعض مَن سَمّيت: هي السحاب التي فيها الماء ولمّا تُمطر كالمرأة المُعصر، وهي التي دنا حيضها ولم تَحض بعد. وقال ابن كيسان: قيل للسحاب مُعصرات من حيث تغيث، فهي من العُصرة، ومنه قوله تعالى: {وفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: ٤٩] ". ووجّه ابنُ كثير (١٤/ ٢٢٨) القول الأول بقوله: «ومعنى هذا القول: أنها تَستدرّ المطر من السحاب». وقد رجّح ابنُ جرير (٢٤/ ١٤) القول الثاني، وانتقد القولين الآخريين مستندًا إلى الدلالة العقلية، والأغلب من اللغة، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال: إنّ الله أخبر أنه أنزل من المُعصرات، وهي التي قد تَحلّبتْ بالماء من السحاب ماء، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن القول في ذلك على أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرت، والرياح لا ماء فيها فينزل منها، وإنما ينزل بها، وكان يصحّ أن تكون الرياح لو كانت القراءة: (وأَنزَلْنا بِالمُعْصِراتِ)، فلما كانت القراءة: {من المعصرات} عُلم أنّ المعني بذلك ما وصفت، فإن ظنّ ظانٌّ أنّ الباء قد تعقب في مثل هذا الموضع» مِن «؛ قيل: ذلك وإن كان كذلك فالأغلب من معنى مِن غير ذلك، والتأويل على الأغلب مِن معنى الكلام. فإن قال: فإنّ السماء قد يجوز أن تكون مرادًا بها. قيل: إنّ ذلك وإن كان كذلك فإنّ الأغلب من نزول الغيث من السحاب دون غيره». وبنحوه ابنُ كثير مستندًا إلى النظائر، فقال: «والأظهر أنّ المراد بالمُعصرات: السحاب، كما قال الله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله} [الروم: ٤٨]، أي: مِن بينه». وانتقد ابنُ كثير القول الثالث بقوله: «وهذا قول غريب».