يَنْطِقُونَ، ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: ٣٥ - ٣٦]، وقوله:{لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وقالَ صَوابًا}[النبأ: ٣٨]؛ وقال: لا إله إلا الله؛ فذلك الصواب، وقوله:{وخَشَعَتِ الأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسًا}[طه: ١٠٨]، فلا يجيبهم الله، ولا يُكلّمهم، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة، يقول بعد ذلك لمَلكٍ من الملائكة وهو جبريل - عليه السلام -: نادِ الرسل، وابدأ بالأُمِّي. قال: فيقوم المَلك، فينادي عند ذلك: أين النَّبِي الأُمِّي؟ فتقول الأنبياء عند ذلك: كلّنا نبيّون وأُمّيون؛ فبيِّن بيِّن. فيقول: النبي العربي الأُمّي الحرمي، فيقوم عند ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيرفع صوته بالدعاء، فيقول: كم مِن ذنب قد عملتموه ونسيتموه وقد أحصاه الله! ربِّ، لا تفضح أمتي. قال: فلا يزال يدنو مِن الله تعالى حتى يقوم بين يديه؛ أقرب خَلْقه إليه، فيحمد الله، ويثني عليه، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد حتى تعجب الملائكة منه والخلائق، فيقول الله - عز وجل -: قد رضيتُ عنك، يا محمد، اذهب فنادِ أُمّتك. فينادي، وأول ما يدعو يدعو مِن أُمّته عبد الله بن عبد الأسد أبا سلمة، فلا يزال يدنو، فيقرّبه الله - عز وجل - منه، فيحاسبه حسابًا يسيرًا، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله، ولا يغضب الله - عز وجل - عليه، فيجعل سيئاته داخل صحيفته، وحسناته ظاهر صحيفته، فيوضع على رأسه التاج مِن ذَهَبٍ عليه تسعون ألف ذؤابة، كلّ ذؤابة دُرّة تساوي مال المشرق والمغرب، ويلبس سبعين حُلّة مِن الإستبرق والسندس، فالذي يلي جسده حريرة بيضاء، فذلك قوله:{ولِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ}[الحج: ٢٣، فاطر: ٣٣]، ويُسوَّر بثلاث أسْوِرة: سوار من فِضّة، وسوار من ذهب، وسوار من لؤلؤ، ويوضع إكليل مُكلّل بالدُّرّ والياقوت، وقد تلألأ في وجهه مِن نور ذلك، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين، فينظرون إليه وهو جاءٍ مِن عند الله، فتقول الملائكة والناس والجنّ: واللهِ، لقد أكرم الله هذا، لقد أعطى الله لهذا. فينظرون إلى كتابه، فإذا سيئاته باطن صحيفته، وإذا حسناته ظاهر كتابه، فتقول عند ذلك الملائكة: ما كان أذنب هذا الآدميُّ ذنبًا قط! واللهِ، لقد اتّقى اللهَ هذا العبدُ، فحُقّ أن يكرم مثل هذا العبد. وهم لا يشعرون أنّ سيئاته باطن كتابه، وذلك لمن أراد الله تعالى أن يُكرمه ولا يفضحه، قال: فيأتي إخوانَه من المسلمين، فلا يعرفونه، فيقول: أتعرفوني؟ فيقولون كلّهم: لا، واللهِ. فيقول: إنما برحتُ الساعة، وقد نسيتموني. فيقول: أنا أبو سلمة، أبشِروا بمثله، يا معشر الإخوان، لقد حاسَبني ربي حسابًا يسيرًا، وأكرمني. فذلك قوله:{فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ} يقول إلى قومه: {مَسْرُورًا}