- فعلى قراءة مَن قرأ ذلك: «لتركبَنَّ» بفتح الباء وفي معناها أربعة أقوال: الأول: لتركبَنَّ -يا محمد- حالًا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد. الثاني: لتركبَنَّ -يا محمد- سماء بعد سماء. الثالث: لتركبَنَّ الآخرة بعد الأولى. الرابع: أنّ الإشارة إلى السماء، والمراد: أنها تتغير ضروبًا من التغيير، فتارة كالمُهل وتارة كالدّهان. وذكر ابنُ القيم (٣/ ٢٧٤) أنه على الثلاثة الأولى فالتاء للمخاطب، وعلى القول الرابع فالتاء للغيبة. وزاد ابنُ عطية (٨/ ٥٧٣) معنًى آخر على هذه القراءة، ووجّهه، فقال: «وقيل: هي عِدة بالنصر، أي: لتركبن أمر العرب قبيلًا بعد قبيل، وفتحًا بعد فتح، كما كان ووجد بعد ذلك». وبيّن ابنُ كثير (١٤/ ٢٩٨ - ٢٩٩) أنّ قول مَن قال: معناه: سماء بعد سماء. فإنما عنى به ليلة الإسراء. وعلّق ابنُ القيم على القول الرابع بقوله: «ودل على السماء ذِكر الشَّفَق والقمر». ثم وجّهه بقوله: «وعلى هذا فيكون قسمًا على المعاد وتغيير العالم». - وعلى قراءة مَن قرأ ذلك: {لتركبُنَّ} بضم الباء على وجه الخطاب للناس كافة، يكون المعنى: لتركبُنَّ -أيها الناس- حالًا بعد حال، وأمرًا بعد أمر؛ من الفقر والغنى، أو من الشدائد والموت والبعث والحساب، أو من النُّطفة إلى الهرم، أو منزلة بعد منزلة مِن الرفعة والضّعة. وزاد ابنُ عطية معنيين آخرين على هذه القراءة، الأول: أنّ المعنى: لتركبُنَّ هذه الأحوال أُمّة بعد أُمّة. وعلّق عليه قائلًا: "ومنه قول العباس بن عبد المطلب عن النبي - عليه السلام -: وأنت لما بُعثتَ أشرقت الأ ... رض وضاءت بنورك الطرق تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى علم بدا طبق". والثاني: «لتركبُنَّ سنن من قبلكم». وعلّق عليه بقوله: «كما جاء في الحديث: «شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، فهذا هو طبق عن طبق»». وبنحوه قال ابنُ كثير، وعزاه للسُّدِّيّ. وذكر ابنُ عطية أنّ هذا المعنى يلتئم مع قراءة عمر بن الخطاب (لَيَرْكَبُنَّ). وقد رجّح ابنُ جرير (٢٤/ ٢٥٦) -مستندًا إلى أقوال السلف- قراءة: «لَتَرْكَبَنَّ» وأنّ المعنى: لتركبَن أنت -يا محمد- حالًا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد. فقال: «وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب: قراءة مَن قرأ بالتاء وبفتح الباء؛ لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد، وإن كان للقراءات الأُخر وجوه مفهومة. وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا فالصواب من التأويل قول مَن قال: «لَتَرْكَبَنَّ» أنت -يا محمد- حالًا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد». ثم بيّن أنه وإن كان الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس خاصًّا به، بل خوطب به جميع الناس أنهم يَلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالًا؛ وذلك لدلالة السياق، فقال: «وإنما قلنا: عني بذلك ما ذكرنا، أنّ الكلام قبل قوله: {لتركبن طبقا عن طبق} جرى بخطاب الجميع، وكذلك بعده، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده».