وكذا رجَّحه ابن عطية (٨/ ٥٨٦)، قائلًا: «وهو أظهر الأقوال وأبْيَنُها»، ونقل ابن عطية (٨/ ٥٨٦ بتصرف) ثلاثة أقوال في العامل في «يَوْمَ» بناءً على هذا المعنى: «الأول: العامل» ناصِرٍ «من قوله تعالى: {ولا ناصِرٍ}، والثاني: العامل» الرَّجْعُ «من قوله تعالى: {عَلى رَجْعِهِ}، قالوا: وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإنْ حال خبران بينه وبين معموله، والثالث: العامل فعل مضمر تقديره:» إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يُرجعه يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ «»، ثم علَّق عليها بقوله: «وكلّ هذه الفرق فرَّتْ من أنْ يكون العامل» قادرٌ «؛ لأنّ ذلك يَظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده، وإذا تُؤُمِّلَ المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أنْ يكون العامل» قادرٌ «، وذلك أنه عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، أي: على الإطلاق أولًا وآخرًا وفي كل وقت، ثم ذكر تعالى وخصّص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار؛ لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب، فتجتمع النفوس إلى حذره والخوف منه».وكذا رجَّحه ابن القيم (٣/ ٢٨٧، ٢٨٨ بتصرف) وانتقد القول بأن المراد رد الماء في الإحليل، أو الصُّلب، أو ردّ الإنسان من الكِبَر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصِّبا إلى النُّطفة -مستندًا إلى دلالة النظائر والعقل واللغة- فقال: «وهو الصواب لوجوه: أحدها: أنه هو المعهود من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد. الثاني: أنّ ذلك أدل على المطلوب من القدرة على رد الماء في الإحليل. الثالث: أنه لم يأتِ لهذا المعنى في القرآن نظير في موضع واحد، ولا أنكره أحد حتى يقيم سبحانه الدليل عليه. الرابع: أنه قيّد الفعل بالظرف وهو قوله: {يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ} وهو يوم القيامة، أي: أنّ الله قادر على رجْعه إليه حيًّا في ذلك اليوم. الخامس: أنّ الضمير في {رَجْعِهِ} هو الضمير في قوله: {فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ} وهذا للإنسان قطعًا لا للماء. السادس: أنه لا ذِكْر للإحليل، حتى يتعين كون المرجع إليه، فلو قال قائل: على رجْعه إلى الفرج الذي صُبّ فيه لم يكن فرق بينه وبين هذا القول، ولم يكن أولى منه. السابع: أنّ ردّ الماء إلى الإحليل أو الصُّلب بعد خروجه منه غير معروف، ولا هو أمر معتاد جَرتْ به القدرة، وإنْ كان مقدورًا للرّبّ تعالى، ولكن هو لم يُجرِه ولم تَجرِ به العادة، ولا هو مما تكلّم الناس فيه نفيًا أو إثباتًا، ومثل هذا لا يقرّره الرّبّ ولا يستدل عليه وينبّه على منكريه، وهو سبحانه إنما يستدل على أمر واقع ولا بدّ، إمّا قد وقع ووُجد أو سيقع. الثامن: أنه سبحانه دعا الإنسان إلى النظر فيما خُلِق منه ليردّه نظره عن تكذيبه بما أخبر به، وهو لم يخبره بقدرة خالقه على ردّ الماء في إحليله بعد مفارقته له، حتى يدعوه إلى النظر فيما خُلِق منه، ليستقبح منه صحة إمكان ردّ الماء. التاسع: أنه لا ارتباط بين النظر في مبدأ خَلْقه وردّ الماء في الإحليل بعد خروجه، ولا تلازم بينهما، حتى يجعل أحدهما دليلًا على إمكان الآخر بخلاف الارتباط الذي بين المبدأ والمعاد، والخلق الأول والخلق الثاني، والنشأة الأولى والنشأة الثانية، فإنه ارتباط من وجوه عديدة، ويلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر، ومن وقوعه صحة وقوع الآخر، فحَسُن الاستدلال بأحدهما على الآخر. العاشر: أنه سبحانه نبّه بقوله: {إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ} على أنه قد وكّل عليه مَن يحفظ عليه عمله ويحصيه، فلا يضيع منه شيء، ثم نبّه بقوله: {إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ} على بعْثه لجزائه على العمل الذي حُفظ وأُحصي عليه، فذكر شأن مبدأ عمله ونهايته، فمبدؤه محفوظ عليه، ونهايته الجزاء عليه، ونبّه على هذا بقوله: {يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ} أي: تُختبر».